الشيرازي وبلغنا ان أبا جعفر لما صنف مختصره في الفقه قال رحم الله أبا إبراهيم يعني المزني لو كان حيا لكفر عن يمينه يعني الذي حلفه انه لا يجئ منه شئ وتعقب هذا بعض الأئمة بأنه لا يلزم المزني في ذلك كفارة لأنه حلف على غلبة ظنه ويمكن ان يجاب عن أبي جعفر بأنه أورد ذلك على سبيل المبالغة ولا شك انه يستحب الكفارة في مثل ذلك ولو لم يقل بالوجوب وليس يخفى مثل ذلك على أبي جعفر لكن قرأت بخط محمد بن الزكي المنذري ان الطحاوي إنما قال ذلك كيما يعير المزني فأجابه بعض الفقهاء بان المزني لا يلزمه الحنث أصلا لان من ترك مذهب أصحاب الحديث واخذ بالرأي لم يفلح انتهى مختصرا - قلت وهذا الجواب بعيد عن الفقه فان الامام الطحاوي ما ترك الحديث ولا أصحابه وإنما ترك طريق الشافعية في الاشتغال بالحديث ونهج استدلالهم واختار طريق الأحناف في السلوك والاشتغال بالحديث فصنف التصانيف في الأحاديث واجتهد في اختيار الصحيح منها على طريق المحدثين ثم أكده بالقياس وقد صنف في الجمع بين الأحاديث المختلفة فأجاد وأفاد وسائر تصانيفه بعد تلك القصة فأين الترك والله ملهم الرشد والصواب. قال العلامة الكوثري في الحاوي وقول الطحاوي نفسه في سبب انتقاله هو الجدير بالتعويل وباقي الحكايات لا تخلو من مآخذ سندا ومتنا كما سبق وقد ذكر قبل ذلك خلو بعضها عن السند وانقطاع بعضها قال ومما يلاحظ هنا ان ابن أبي عمران الذي يقال إن الطحاوي انتقل إلى مجلسه تاركا مجلس خاله إنما ولي قضاء مصر بعد القاضي بكار وهو توفي سنة سبعين ومائتين بمصر بعد وفاة المزني سنة أربع وستين بمدة كبيرة وقد قال الذهبي في تذكرة الحفاظ من كبار أصحاب الطحاوي وقد حكى من لفظه ما سبق ذكره مع السند إليه فيكون الاعتماد على حكاية ابن زبر والشروطي لكون قولهما متلقى من الطحاوي مباشرة والذي حكاه ابن حجر في اللسان فتصرف طريف من ابن حجر وفيه كثير من العبر ومن المعلوم ان الغباء الفطري قلما يتحول إلى ذكاء بممارسة العلم وكتب الطحاوي شهود صدق على ذكائه الفطري ومثله لا يكون ممن لا يفهم المسألة مهما بولغ في تقريبهما كما أن المزني لا يستعصي عليه بيان مسالة بحيث لا يفهمها مثل الطحاوي في اتقاد ذهنه على أن المزني ممن ورث رحابة الصدر والصبر امام تلاميذه من امامه العظيم البالغ الذكاء الصابر على تعليم من في فهمه بطا من أصحابه وقد حكى أبو بكر القفال المروزي في فتاواه ان الربيع المروزي رواية المذهب الجديد كان بطئ الفهم فكرر عليه الشافعي مسالة واحدة أربعين مرة فلم يفهم وقام من المجلس حياء فدعاه الشافعي في خلوة وكرر عليه حتى فمه كما نقله ابن السبكي فمن البعيد ان لا يصبر المزني مع الطحاوي في التعليم وهو ابن أخته ويتسرع في الحلف بتلك الصورة البعيدة عن الاتزان واما دعوى انهم هم أهل الحديث دون الآخرين فشنشنة تعودنا ان نسمعها من أفواه أناس فقدوا سلامة التفكير فلو فكروا جيدا في مبلغ توسع أصحابهم في قياس الشبه والمناسبة ورد المرسل مع التساهل في قبول الأحاديث عن كل من هب ودب ودرسوا جيدا مسند أبي العباس الأصم لأقلعوا عن ادعاء انهم هم الذين يأخذون بالسنة دون سائر الطوائف من فقهاء هذه الأمة وليس بين طوائف أهل السنة من لا يتخذ الحديث ثاني أصول الاستنباط لكن بعد تصفيته بمصفاة النقد القويم متنا وسندا لا بالاسترسال في قبول مرويات النقلة من غير بحث ولا تنقيب عن كل ما ورد في البحث الموضوع على مشرحة التمحيص انتهى.
الفائدة الرابعة في حال العلم بمصر في زمانه:
كانت مصر محطة للمالكية لان عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أرسل إليها في خلافته نافعا ليعلم أهلها