والحديث دليل على أنه يحرم على الحاكم أن يحكم قبل سماع حجة كل واحد من الخصمين واستفصال ما لديه والإحاطة بجميعه. قال القاضي الشوكاني: فإذا قضى قبل السماع من أحد الخصمين كان حكمه باطلا فلا يلزم قبوله، بل يتوجه عليه نقضه ويعيده على وجه الصحة أو يعيده حاكم آخر انتهى.
قال المنذري: وأخرجه الترمذي مختصرا وقال حديث حسن.
(باب في قضاء القاضي إذا أخطأ) (إنما أنا بشر) قال الحافظ: المراد أنه مشارك للبشر في أصل الخلقة، ولو زاد عليهم بالمزايا التي اختص بها في ذاته وصفاته، والحصر هنا مجازي لأنه يختص بالعلم الباطن ويسمى قصر قلب لأنه أتى به ردا على من زعم أن من كان رسولا فإنه يعلم كل غيب حتى لا يخفى عليه المظلوم انتهى (وإنكم تختصمون إلي) أي ترفعون المخاصمة إلي (أن يكون) قال الطيبي: زيد لفظة ((أن)) في خبر لعل تشبيها له بعسى (ألحن بحجته) أفعل تفضيل من لحن بمعنى فطن ووزنه أي أفطن بها. قال في النيل: ويجوز أن يكون معناه أفصح تعبيرا عنها وأظهر احتجاجا حتى يخيل أنه محق وهو في الحقيقة مبطل، والأظهر أن معناه أبلغ كما وقع في رواية في الصحيحين أي أحسن إيرادا للكلام (من حق أخيه) أي من المال وغيره (فإنما أقطع له قطعة من النار) بكسر القاف أي طائفة أي إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه دخل النار.
قال الخطابي: فيه من الفقه وجوب الحكم بالظاهر، وأن حكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وأنه متى أخطأ في حكمه فقضى كان ذلك في الظاهر، فأما في الباطن وفي حكم الآخرة فإنه غير ماض انتهى. قال النووي في شرح مسلم: في هذا الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الاسلام وفقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن