(باب في الحلف كاذبا متعمدا) (الطالب) أي المدعي (فلم تكن له) أي للطالب (فاستحلف) النبي صلى الله عليه وسلم (المطلوب) أي المدعى عليه (فحلف) أي المطلوب (بالله الذي لا إله إلا هو) أي كاذبا بأن ليس للطالب عندي حق (بلى قد فعلت) أي حلفت كاذبا أو فعلت ما حلفت على عدم فعله. قال في فتح الودود:
الظاهر أنه ألزمه بالدعوى وبطلان اليمين بوحي أو إلهام، وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يقضي بالوحي ونحوه أيضا (ولكن قد غفر لك) أي إثم الحلف الكاذب، ففيه دليل على أن الكبائر تغفر بكلمة التوحيد قاله في فتح الودود (بإخلاص قول لا إله إلا الله).
وأخرج أحمد في مسنده عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل فعلت كذا؟ قال لا والذي لا إله إلا هو ما فعلت. قال فقال له جبريل عليه السلام قد فعل ولكن الله عز وجل غفر له بقوله لا والذي لا إله إلا هو.
وأخرج عن ابن عباس قال: ((اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلان فوقعت اليمين على أحدهما فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عنده شئ. قال فنزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه كاذب أن له عنده حقه فأمره أن يعطيه حقه وكفارة يمينه معرفته أن لا إله إلا الله أو شهادته)) (أنه) صلى الله عليه وسلم (لم يأمره) أي الحالف الكاذب (بالكفارة) وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن، والفرار يوم الزحف، ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق)).
ويشهد له ما أخرجه البخاري من حديث ابن عمر وقال: ((جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر)) فذكر الحديث وفيه ((اليمين الغموس)) وفيه ((قلت وما اليمين الغموس)) قال: ((الذي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب)).