واه والله أعلم وأشار ابن أبي جمرة إلى المغايرة بين آخر من يخرج من النار وهو المذكور في الباب الماضي وأنه يخرج منها بعد أن يدخلها حقيقة وبين آخر من يخرج ممن يبقى مارا على الصراط فيكون التعبير بأنه خرج من النار بطريق المجاز لأنه أصابه من حرها وكربها ما يشارك به بعض من دخلها وقد وقع في غرائب مالك للدارقطني من طريق عبد الملك بن الحكم وهو واه عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه ان آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة عند جهينة الخبر اليقين وحكى السهيلي انه جاء ان اسمه هناد وجوز غيره أن يكون أحد الاسمين لاحد المذكورين والاخر للآخر (قوله فيقول يا رب) في رواية إبراهيم بن سعد في التوحيد أي رب (قوله قد قشبني ريحها) بقاف وشين معجمة مفتوحتين مخففا وحكى التشديد ثم موحدة قال الخطابي قشبه الدخان إذا ملاء خياشيمه وأخذ يكظمه وأصل القشب خلط السم بالطعام يقال قشبه إذا سمه ثم استعمل فيما إذا بلغ الدخان والرائحة الطيبة منه غايته وقال النووي معنى قشبني سمني وأذاني وأهلكني هكذا قاله جماهير أهل اللغة وقال الداودي معناه غير جلدي وصورتي (قلت) ولا يخفى حسن قول الخطابي وأما الداودي فكثيرا ما يفسر الألفاظ الغريبة بلوازمها ولا يحافظ على أصول معانيها وقال ابن أبي جمرة إذا فسرنا القشب بالنتن والمستقذر كانت فيه إشارة إلى طيب ريح الجنة وهو من أعظم نعيمها وعكسها النار في جميع ذلك وقال ابن القطاع قشب الشئ خلطه بما يفسده من سم أو غيره وقشب الانسان لطخه بسوء كاغتابه وعابه وأصله السم فاستعمل بمعنى أصابه المكروه إذا أهلكه أو أفسده أو غيره أو أزال عقله أو تقذره هو والله أعلم (قوله وأحرقني ذكاؤها) كذا للأصيلي وكريمة هنا بالمد وكذا في رواية إبراهيم بن سعد وفي رواية أبي ذر وغيره ذكاها بالقصر وهو الأشهر في اللغة وقال ابن القطاع يقال ذكت النار تذكو ذكا بالقصر وذكوا بالضم وتشديد الواو أي كثر لهبها واشتد اشتعالها ووهجها وأما ذكا الغلام ذكاء بالمد فمعناه أسرعت فطنته قال النووي المد والقصر لغتان ذكره جماعة فيها وتعقبه مغلطاي بأنه لم يوجد عن أحد من المصنفين في اللغة ولا في الشارحين لدواوين العرب حكاية المد الا عن أبي حنيفة الدينوري في كتاب النبات في مواضع منها ضرب العرب المثل بجمر الغضى لذكائه قال وتعقبه علي بن حمزة الأصبهاني فقال ذكا النار مقصور ويكتب بالألف لأنه واوى يقال ذكت النار تذكو ذكوا وذكاء النار وذكو النار بمعنى وهو التهابها والمصدر ذكاء وذكو وذكو بالتخفيف والتثقيل فاما الذكاء بالمد فلم يأت عنهم في النار وإنما جاء في الفهم وقال ابن قرقول في المطالع وعليه يعتمد الشيخ وقع في مسلم فقد أحرقني ذكاؤها بالمد والمعروف في شدة حر النار القصر الا أن الدينوري ذكر فيه المد وخطأه علي بن حمزة فقال ذكت النار ذكا وذكوا ومنه طيب ذكي منتشر الريح وأما الذكاء بالمد فمعناه تمام الشئ ومنه ذكاء القلب وقال صاحب الافعال ذكا الغلام والعقل أسرع في الفطنة وذكا الرجل ذكاء من حدة فكره وذكت النار ذكا بالقصر توقدت (قوله فاصرف وجهي عن النار) قد استشكل كون وجهه إلى جهة النار والحال انه ممن يمر على الصراط طالبا إلى الجنة فوجهه إلى الجنة لكن وقع في حديث أبي أمامة المشار إليه قبل انه يتقلب على الصراط ظهرا لبطن فكأنه في تلك الحالة انتهى إلى آخره فصادف أن وجهه كان من قبل النار ولم يقدر على صرفه عنها
(٤٠١)