البخاري في حديثه في السند الأول ثم علاه بدرجة في السند الثاني والسبب في ذلك أنه وقع في السند النازل تصريح قتادة بتحديث أنس له ووقع في السند العالي بالعنعنة (قوله سقط على بعيره) أي صادفه وعثر عليه من غير قصد فظفر به ومنه قولهم على الخبير سقطت وحكى الكرماني ان في رواية سقط إلى بعيره أي انتهى إليه والأول أولى (قوله وقد أضله) أي ذهب منه بغير قصده قال ابن السكيت أضللت بعيري أي ذهب مني وضللت بعيري أي لم أعرف موضعه (قوله بفلاة) أي مفازة إلى هنا انتهت رواية قتادة وزاد إسحاق بن أبي طلحة عن أنس فيه عند مسلم فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها فبينا هو كذلك إذا بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح قال عياض فيه أن ما قاله الانسان من مثل هذا في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به وكذا حكايته عنه على طريق علمي وفائدة شرعية لا على الهزل والمحاكاة والعبث ويدل على ذلك حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولو كان منكرا ما حكاه والله أعلم قال ابن أبي جمرة وفي حديث ابن مسعود من الفوائد جواز سفر المرء وحده لأنه لا يضرب الشارع المثل الا بما يجوز ويحمل حديث النهي على الكراهة جمعا ويظهر من هذا الحديث حكمة النهي (قلت) والحصر الأول مردود وهذه القصة تؤكد النهي قال وفيه تسمية المفازة التي ليس فيها ما يؤكل ولا يشرب مهلكة وفيه أن من ركن إلى ما سوى الله يقطع به أحوج ما يكون إليه لان الرجل ما نام في الفلاة وحده الا ركونا إلى ما معه من الزاد فلما اعتمد على ذلك خانه لولا أن الله لطف به وأعاد عليه ضالته قال بعضهم من سره أن لا يرى ما يسوءه * فلا يتخذ شيا يخاف له فقدا قال وفيه أن فرح البشر وغمهم انما هو على ما جرى به أثر الحكمة من العوائد يؤخذ من ذلك أن حزن المذكور انما كان على ذهاب راحلته لخوف الموت من أجل فقد زاده وفرحه بها انما كان من أجل وجدانه ما فقد مما تنسب الحياة إليه في العادة وفيه بركة الاستسلام لأمر الله لان المذكور لما أيس من وجدان راحلته استسلم للموت فمن الله عليه برد ضالته وفيه ضرب المثل بما يصل إلى الافهام من الأمور المحسوسة والارشاد إلى الحض على محاسبة النفس واعتبار العلامات الدالة على بقاء نعمة الايمان (قوله باب الضجع على الشق الأيمن) الضجع بفتح أوله وسكون الجيم مصدر يقال ضجع الرجل يضجع ضجعا وضجوعا فهو ضاجع والمعنى وضع جنبه بالأرض وفي رواية باب الضجعة وهو بكسر أوله لان المراد الهيئة ويجوز الفتح أي المرة وذكر فيه حديث عائشة في اضطجاعه صلى الله عليه وسلم بعد ركعتي الفجر وقد مضى شرحه في كتاب الصلاة وترجم له باب الضجع على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر قال ابن التين أصل اضطجع اضطجع بمثناة فأبدلوها طاء ومنهم ما أبقاها ولم يدغموا الضاد فيها وحكى المازني الضجع بلام ساكنة قبل الضاد كراهة للجمع بين الضاد والطاء في النطق لثقله فجعل بدلها اللام وذكر المصنف هذا الباب والذي بعده توطئة لما يذكر بعدهما من القول عند النوم (قوله باب إذا بات طاهرا) زاد أبو ذر في روايته وفضله وقد ورد في هذا المعنى عدة أحاديث ليست على شرطه منها حديث معاذ رفعه ما من مسلم يبيت على ذكر وطهارة فيتعار من الليل فيسأل الله خيرا من الدنيا والآخرة الا أعطاه إياه أخرجه أبو داود والنسائي
(٩٢)