عليه وسلم إلى المسجد فإذا بقوم يتحدثون ويضحكون فقال والذي نفسي بيده فذكر هذا الحديث وعن الحسن البصري من علم أن الموت مورده والقيامة موعده والوقوف بين يدي الله تعالى مشهده فحقه أن يطول في الدنيا حزنه قال الكرماني في هذا الحديث من صناعة البديع مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما (قوله باب حجبت النار بالشهوات) كذا للجميع ووقع عند أبي نعيم حفت بدل حجبت أي غطيت بها فكانت الشهوات سببا للوقوع في النار (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله حدثني مالك) هذا الحديث ليس في الموطأ وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه عن الهيثم بن خلف عن البخاري وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن إسماعيل وأخرجه الدارقطني في الغرائب من رواية إسماعيل ومن طريق سعيد بن داود وإسحاق بن محمد الفروي أيضا عن مالك وأخرجه أيضا من رواية عبد الله بن وهب عن مالك به لكن وقفه (قوله عن أبي الزناد) في رواية سعيد بن داود أنا أبو الزناد (قوله عن الأعرج عن أبي هريرة) في رواية سعيد بن داود أن عبد الرحمن بن هرمز أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول (قوله حجبت) كذا للجميع في الموضعين الا الفروي فقال حفت في الموضعين وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء بن عمر عن أبي الزناد وكذا أخرجه مسلم والترمذي من حديث أنس وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وان مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وان كرهتها النفوس وشق عليها وقد ورد إيضاح ذلك من وجه آخر عن أبي هريرة فأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال انظر إليها قال فرجع إليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد الا دخلها فأمر بها فحفت بالمكاره فقال ارجع إليها فرجع فقال وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد قال اذهب إلى النار فانظر إليها فرجع فقال وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر بها فحفت بالشهوات فقال ارجع إليها فرجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد فهذا يفسر رواية الأعرج فان المراد بالمكاره هنا ما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلا وتركا كالاتيان بالعبادات على وجهها والمحافظة عليها واجتناب المنهيات قولا وفعلا وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه ومن جملتها الصبر على المصيبة والتسليم لأمر الله فيها والمراد بالشهوات ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع من تعاطيه اما بالأصالة واما لكون فعله يستلزم ترك شئ من المأمورات ويلتحق بذلك الشبهات والاكثار مما أبيح خشية أن يوقع في المحرم فكأنه قال لا يوصل إلى الجنة الا بارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات ولا إلى النار الا بتعاطي الشهوات وهما محجوبتان فمن هتك الحجاب اقتحم ويحتمل أن يكن هذا الخبر وإن كان بلفظ الخبر فالمراد به النهي وقوله حفت بالمهملة والفاء من الحفاف وهو ما يحيط بالشئ حتى لا يتوصل إليه الا بتخطيه فالجنة لا يتوصل إليها الا بقطع مفاوز المكاره والنار لا ينحي منها الا بترك الشهوات وقال ابن العربي معنى الحديث أن الشهوات جعلت على حفا في النار وهي جوانبها وتوهم بعضهم أنها ضرب بها المثل فجعلها في جوانبها من خارج ولو كان ذلك ما كان مثلا صحيحا وانما هي من داخل وهذه صورتها
(٢٧٤)