وأصل الفتنة الامتحان والاختبار واستعملت في الشرع في اختبار كشف ما يكره ويقال فتنت الذهب إذا اختبرته بالنار لتنظر جودته وفي الغفلة عن المطلوب كقوله انما أموالكم وأولادكم فتنة وتستعمل في الاكراه على الرجوع عن الدين كقوله تعالى ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات (قلت) واستعملت أيضا في الضلال والاثم والكفر والعذاب والفضيحة ويعرف المراد حيثما ورد بالسياق والقرائن (قوله باب التعوذ من المأثم والمغرم) بفتح الميم فيهما وكذا الراء والمثلثة وسكون الهمزة والغين المعجمة والمأثم ما يقتضي الاثم والمغرم ما يقتضي الغرم وقد تقدم بيانه في باب الدعاء قبل السلام من كتاب الصلاة (قوله من الكسل والهرم) تقدما في الباب الذي قبله (قوله والمأثم والمغرم) والمراد الاثم والغرامة وهي ما يلزم الشخص أداؤه كالدين زاد في رواية الزهري عن عروة كما مضى في باب الدعاء قبل السلام فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ من المأثم والمغرم هكذا أخرجه من طريق شعيب عن الزهري وكذا أخرجه النسائي من طريق سليمان بن سليم الحمصي عن الزهري فذكر الحديث مختصرا وفيه فقال له يا رسول الله انك تكثر التعوذ الحديث وقد تقدم بيانه هناك وقلت اني لم أقف حينئذ على تسمية القائل ثم وجدت تفسير المبهم في الاستعاذة للنسائي أخرجه من طريق سلمة بن سعيد بن عطية عن معمر عن الزهري فذكر الحديث مختصرا ولفظه كان يتعوذ من المغرم والمأثم قلت يا رسول الله ما أكثر ما تتعوذ من المغرم قال إنه من غرم حدث فكذب ووعد فأخلف فعرف أن السائل له عن ذلك عائشة راوية الحديث (قوله ومن فتنة القبر) هي سؤال الملكين وعذاب القبر تقدم شرحه (قوله ومن فتنة النار) هي سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ واليه الإشارة بقوله تعالى كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير وسيأتي الكلام عليه في باب الاستعاذة من أرذل العمر بعد ثلاثة أبواب (قوله ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر) تقدم الكلام على ذلك أيضا في باب الدعاء قبل السلام قال الكرماني صرح في فتنة الغنا بذكر الشر إشارة إلى أن مضرته أكثر من مضرة غيره أو تغليظا على أصحابه حتى لا يغتروا فيغفلوا عن مفاسده أو إيماء إلى أن صورته لا يكون فيها خير بخلاف صورة الفقر فإنها قد تكون خيرا انتهى وكل هذا غفلة عن الواقع فان الذي ظهر لي ان لفظ شر في الأصل ثابتة في الموضعين وانما اختصرها بعض الرواة فسيأتي بعد قليل في باب الاستعاذة من أرذل العمر من طريق وكيع وأبي معاوية مفرقا عن هشام بسنده هذا بلفظ وشر فتنة الغنا وشر فتنة الفقر ويأتي بعد أبواب أيضا من رواية سلام بن أبي مطيع عن هشام باسقاط شر في الموضعين والتقييد في الغنا والفقر بالشر لا بد منه لان كلا منهما فيه خير باعتبار فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير سواء قل أم كثر قال الغزالي فتنة الغنا الحرص على جمع المال وجه حتى يكسبه من غير حله ويمنعه من واجبات انفاقه وحقوقه وفتنة الفقر يراد به الفقر المدقع الذي لا يصحبه خير ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب ولا في أي حالة تورط وقيل المراد به فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها وليس فيه ما يدل على تفضيل الفقر على الغنا ولا عكسه (قوله وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) في رواية وكيع ومن شر فتنة المسيح الدجال وقد تقدم شرحه أيضا في باب الدعاء قبل السلام (قوله اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد الخ)
(١٥١)