فهو أحب وإن كان مؤذنا أو ملبيا لم يكره له الرد لفظا لأنه قدر يسير لا يبطل الموالاة وقد تعقب والدي رحمه الله في نكته على الاذكار ما قاله الشيخ في القارئ لكونه يأتي في حقه نظير ما أبداه هو في الداعي لان القارئ قد يستغرق فكره في تدبر معاني ما يقرؤه ثم اعتذر عنه بأن الداعي يكون مهتما بطلب حاجته فيغلب عليه التوجه طبعا والقارئ إنما يطلب منه التوجه شرعا فالوساوس مسلطة عليه ولو فرض أنه يوفق للحالة العلية فهو على ندور انتهي ولا يخفى أن التعليل الذي ذكره الشيخ من تنكد الداعي يأتي نظيره في القارئ وما ذكره الشيخ في بطلان الصلاة إذا رد السلام بالخطاب ليس متفقا عليه فعن الشافعي نص في أنه لا تبطل لأنه لا يريد حقيقة الخطاب بل الدعاء وإذا عذرنا الداعي والقارئ بعدم الرد فرد بعد الفراغ كان مستحبا وذكر بعض الحنفية أن من جلس في المسجد للقراءة أو التسبيح أو لانتظاره الصلاة لا يشرع السلام عليهم وإن سلم عليهم لم يجب الجواب قال وكذا الخصم إذا سلم على القاضي لا يجب عليه الرد وكذلك الأستاذ إذا سلم عليه تلميذه لا يجب الرد عليه كذا قال وهذا الأخير لا يوافق عليه ويدخل في عموم إفشاء السلام السلام على النفس لمن دخل مكانا ليس فيه أحد لقوله تعالى فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم الآية وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة بسند حسن عن ابن عمر فيستحب إذا لم يكن أحد في البيت أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وأخرج الطبري عن ابن عباس ومن طريق كل من علقمة وعطاء ومجاهد نحوه ويدخل فيه من مر على من ظن أنه إذا سلم عليه لا يرد عليه فإنه يشرع له السلام ولا يتركه لهذا الظن لأنه قد يخطئ قال النووي وأما قول من لا تحقيق عنده أن ذلك يكون سببا لتأثيم الآخر فهو غباوة لان المأمورات الشرعية لا تترك بمثل هذا ولو أعملنا هذا لبطل إنكار كثير من المنكرات قال وينبغي لمن وقع له ذلك أن يقول له بعبارة لطيفة رد السلام واجب فينبغي أن ترد ليسقط عنك الفرض وينبغي إذا تمادى على الترك أن يحلله من ذلك لأنه حق آدمي ورجح ابن دقيق العيد في شرح الالمام المقالة التي زيفها النووي بأن مفسدة توريط المسلم في المعصية أشد من ترك مصلحة السلام عليه ولا سيما وامتثال الافشاء قد حصل مع غيره (قوله باب السلام للمعرفة وغير المعرفة) أي من يعرفه المسلم ومن لا يعرفه أي لا يخص بالسلام من يعرفه دون من لا يعرفه وصدر الترجمة لفظ حديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن مسعود أنه مر برجل فقال السلام عليك يا أبا عبد الرحمن فرد عليه ثم قال إنه سيأتي على الناس زمان يكون السلام فيه للمعرفة وأخرجه الطحاوي والطبراني والبيهقي في الشعب من وجه آخر عن ابن مسعود مرفوعا ولفظه أن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه وأن لا يسلم إلا على من يعرفه ولفظ الطحاوي ان من أشراط الساعة السلام للمعرفة ثم ذكر فيه حديثين * أحدهما حديث عبد الله بن عمرو (قوله حدثني يزيد) هو ابن أبي حبيب كما ذكر في رواية قتيبة عن الليث في كتاب الايمان (قوله عن أبي الخير) هو مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة وآخره دال مهملة والاسناد كله بصريون وقد تقدم شرح الحديث في أوائل كتاب الايمان قال النووي معنى قوله على من عرفت ومن لم تعرف تسلم على من لقيته ولا تخص ذلك بمن تعرف وفي ذلك إخلاص العمل لله واستعمال التواضع وافشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة (قلت) وفيه من الفوائد أنه لو ترك السلام على
(١٨)