حديث ابن عباس الذي تضمنته الترجمة أن الناس قد غبن كثير منهم في الصحة والفراغ لايثارهم لعيش الدنيا على عيش الآخرة فأراد الإشارة إلى أن العيش الذي اشتغلوا به ليس بشئ بل العيش الذي شغلوا عنه هو المطلوب ومن فاته فهو المغبون (قوله باب مثل الدنيا في الآخرة) هذه الترجمة بعض لفظ حديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طريق قيس بن أبي حازم عن المستورد بن شداد رفعه والله ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع وسنده إلى التابعي على شرط البخاري لأنه لم يخرج للمستورد واقتصر على ذكر حديث سهل بن سعد موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها فان قدر السوط من الجنة إذا كان خيرا من الدنيا فيكون الذي يساويها مما في الجنة دون قدر السوط فيوافق ما دل عليه حديث المستورد وقد تقدم شرح قوله غدوة في سبيل الله في كتاب الجهاد قال القرطبي هذا نحو قوله تعالى قل متاع الدنيا قليل وهذا بالنسبة إلى ذاتها وأما بالنسبة إلى الآخرة فلا قدر لها ولا خطر وانما أورد ذلك على سبيل التمثيل والتقريب والا فلا نسبة بين المتناهي وبين ما لا يتناهى والى ذلك الإشارة بقوله فلينظر بم يرجع ووجهه أن القدر الذي يتعلق بالإصبع من ماء البحر لا قدر له ولا خطر وكذلك الدنيا بالنسبة إلى الآخرة والحاصل أن الدنيا كالماء الذي يعلق في الإصبع من البحر والآخرة كسائر البحر (تنبيه) اختلف في ياء يرجع فذكر الرامهرمزي أن أهل الكوفة رووه بالمثناة قال فجعلوا الفعل للإصبع وهي مؤنثة ورواه أهل البصرة بالتحتانية قال فجعلوا الفعل للييم (قلت) أو للواضع (قوله وقوله تعالى أنما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى قوله متاع الغرور) كذا في رواية أبي ذر وساق في رواية كريمة الآية كلها وعلى هذا فتفتح الهمزة في انما محافظة على لفظ التلاوة فان أول الآية اعلموا أنما الحياة الدنيا الخ ولولا ما وقع من سياق بقية الآية لجوزت أن يكون المصنف أراد الآية التي في القتال وهي قوله تعالى انما الحياة الدنيا لعب ولهو وان تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم الآية قال ابن عطية المراد بالحياة الدنيا في هذه الآية ما يختص بدار الدنيا من تصرف وأما ما كان فيها من الطاعة وما لا بد منه مما يقيم الأود ويعين على الطاعة فليس مرادا هنا والزينة ما يتزين به مما هو خارج عن ذات الشئ مما يحسن به الشئ والتفاخر يقع بالنسب غالبا كعادة العرب والتكاثر ذكر متعلقة في الآية وصورة هذا المثال أن المرء يولد فينشئ فيقوى فيكسب المال والولد ويرأس ثم يأخذ بعد ذلك في الانحطاط فيشيب ويضعف ويسقم وتصيبه النوائب من مرض ونقص مال وعز ثم يموت فيضمحل أمره ويصير ماله لغيره وتغير رسومه فحاله كحال أرض أصابها مطر فنبت عليها العشب نباتا معجبا أنيقا ثم هاج أي يبس واصغر ثم تحطم وتفرق إلى أن اضمحل قال واختلف في المراد بالكفار فقيل جمع كافر بالله لانهم أشد تعظيما للدنيا واعجابا بمحاسنها وقيل المراد بهم الزراع مأخوذ من كفر الحب في الأرض أي ستره بها وخصهم بالذكر لانهم أهل البصر بالنبات فلا يعجبهم الا المعجب حقيقة انتهى ملخصا وقوله في آخر الآية وفي الآخرة عذاب شديد قال الفراء لا يوقف على شديد لان تقدير الكلام انها اما عذاب شديد واما مغفرة من الله ورضوان واستحسن غيره الوقف على شديد لما فيه من المبالغة في التنفير من الدنيا والتقدير للكافرين ويبتدئ ومغفرة من الله ورضوان أي للمؤمنين وقيل إن قوله وفي الآخرة قسيم لقوله انما الحياة الدنيا لعب ولهو والأول صفة
(١٩٨)