ان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن أيمانه انها تقتضي الكفارة والذي يشرع تكفيره ما كان الحلف فيه بالله تعالى فدل على أنه لم يكن يحلف الا بالله تعالى (قوله باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت) أما الحلف باللات والعزى فذكر في حديث الباب وقد تقدم تفسيره في تفسير سورة النجم وأما الطواغيت فوقع في حديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة من طريق هشام بن حسان عن الحسن البصري عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا لا تحلفوا بالطواغيت ولا بآبائكم وفي رواية مسلم وابن ماجة بالطواغي وهو جمع طاغية والمراد الصنم ومنه الحديث الآخر طاغية دوس أي صنمهم سمي باسم المصدر لطغيان الكفار بعبادته لكونه السبب في طغيانهم وكل من جاوز الحد في تعظيم أو غيره فقد طغى ومنه قوله تعالى إنا لما طغى الماء وأما الطواغيت فهو جمع طاغوت وقد تقدم بيانه في تفسير سورة النساء ويجوز أن يكون الطواغي مرخما من الطواغيت بدون حرف النداء على أحد الآراء ويدل عليه مجئ أحد اللفظين موضع الاخر في حديث واحد ولذلك اقتصر المصنف على لفظ الطواغيت لكونه الأصل وعطفه على اللات والعزى لاشتراك الكل في المعنى وانما أمر الحالف بذلك بقول لا إله إلا الله لكونه تعاطى صورة تعظيم الصنم حيث حلف به قال جمهور العلماء من حلف باللات والعزى أو غيرهما من الأصنام أو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو برئ من الاسلام أو من النبي صلى الله عليه وسلم لم تنعقد يمينه وعليه أن يستغفر الله ولا كفارة عليه ويستحب أن يقول لا إله إلا الله وعن الحنفية تجب الكفارة الا في مثل قوله أنا مبتدع أو برئ من النبي صلى الله عليه وسلم واحتج بايجاب الكفارة على المظاهر مع أن الظهار منكر من القول وزور كما قال الله تعالى والحلف بهذه الأشياء منكر وتعقب بهذا الخبر لأنه لم يذكر فيه الا الامر بلا إله إلا الله ولم يذكر فيه كفارة والأصل عدمها حتى يقام الدليل وأما القياس على الظهار فلا يصح لانهم لم يوجبوا فيه كفارة الظهار واستثنوا أشياء لم يوجبوا فيها كفارة أصلا مع أنه منكر من القول وقال النووي في الاذكار الحلف بما ذكر حرام تجب التوبة منه وسبقه إلى ذلك الماوردي وغيره ولم يتعرضوا لوجوب قول لا إله إلا الله وهو ظاهر الخبر وبه جزم ابن درياس في شرح المهذب وقال البغوي في شرح السنة تبعا للخطابي في هذا الحديث دليل على أن لا كفارة على من حلف بغير الاسلام وان أثم به لكن تلزمه التوبة لأنه صلى الله عليه وسلم آمره بكلمة التوحيد فأشار إلى أن عقوبته تختص بذنبه ولم يوجب عليه في ماله شيئا وانما أمره بالتوحيد لان الحلف باللات والعزى يضاهي الكفار فأمره أن يتدارك بالتوحيد وقال الطيبي الحكمة في ذكر القمار بعد الحلف باللات ان من حلف باللات وافق الكفار في حلفهم فأمر بالتوحيد ومن دعا إلى المقامرة وافقهم في لعبهم فأمر بكفاة ذلك بالتصدق قال وفي الحديث ان من دعا إلى اللعب فكفارته ان يتصدق ويتأكد ذلك في حق من لعب بطريق الأولى وقال النووي فيه ان من عزم على المعصية حتى استقر ذلك في قلبه أو تكلم بلسانه انه تكتبه عليه الحفظة كذا قال وفي أخذ هذا الحكم من هذا الدليل وقفة (قوله باب من حلف على الشئ وان لم يحلف) بضم أوله وتشديد اللام تقدم قريبا في باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم أمثلة كثيرة لذلك وهي ظاهرة في ذلك وأورد هنا حديث ابن عمر في لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الذهب وفيه فرمى به ثم قال
(٤٦٧)