يموتون فيها إماتة بأنه ليس المراد ان يحصل لهم الموت حقيقة وانما هو كناية عن غيبة احساسهم وذلك للرفق بهم أو كنى عن النوم بالموت وقد سمى الله النوم وفاة ووقع في حديث أبي هريرة انهم إذا دخلوا النار ماتوا فإذا أراد الله اخراجهم أمسهم ألم العذاب تلك الساعة قال وفيه ما طبع عليه الادمي من قوة الطمع وجودة الحيلة في تحصيل المطلوب فطلب أولا ان يبعد من النار ليحصل له نسبة لطيفة بأهل الجنة ثم طلب الدنو منهم وقد وقع في بعض طرقه طلب الدنو من شجرة بعد شجرة إلى أن طلب الدخول ويؤخذ منه أن صفات الادمي التي شرف بها على الحيوان تعود له كلها بعد بعثته كالفكر والعقل وغيرهما انتهى ملخصا مع زيادات في غضون كلامه والله المستعان (قوله باب في الحوض) أي حوض النبي صلى الله عليه وسلم وجمع الحوض حياض وأحواض وهو مجمع الماء وايراد البخاري لأحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة وبعد نصب الصراط إشارة منه إلى أن الورود على الحوض يكون بعد نصب الصراط والمرور عليه وقد أخرج أحمد والترمذي من حديث النضر بن أنس عن أنس قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي فقال أنا فاعل فقلت أين أطلبك قال اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قلت فإن لم ألقك قال أنا عند الميزان قلت فإن لم ألقك قال أنا عند الحوض وقد استشكل كون الحوض بعد الصراط بما سيأتي في بعض أحاديث هذا الباب ان جماعة يدفعون عن الحوض بعد ان يكادوا يردون ويذهب بهم إلى النار ووجه الاشكال ان الذي يمر على الصراط إلى أن يصل الحوض يكون قد نجا من النار فكيف يرد إليها ويمكن أن يحمل على أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون النار فيدفعون إلى النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط وقال أبو عبد الله القرطبي في التذكرة ذهب صاحب القوت وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط وذهب آخرون إلى العكس والصحيح أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط والاخر داخل الجنة وكل منهما يسمى كوثرا (قلت) وفيه نظر لان الكوثر نهر داخل الجنة كما تقدم ويأتي وماؤه يصب في الحوض ويطلق على الحوض كوثر لكونه يمد منه فغاية ما يؤخذ من كلام القرطبي أن الحوض يكون قبل الصراط فإن الناس يردون الموقف عطاشى فيرد المؤمنون الحوض وتتساقط الكفار في النار بعد أن يقولوا ربنا عطشنا فترفع لهم جهنم كأنها سراب فيقال الا تردون فيظنونها ماء فيتساقطون فيها وقد أخرج مسلم من حديث أبي ذر ان الحوض يشخب فيه ميزابان من الجنة وله شاهد من حديث ثوبان وهو حجة على القرطبي لاله لأنه قد تقدم أن الصراط جسر جهنم وأنه بين الموقف والجنة وان المؤمنين يمرون عليه لدخول الجنة فلو كان الحوض دونه لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر في الحوض وظاهر الحديث ان الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها وفي حديث ابن مسعود عند أحمد ويفتح نهر الكوثر إلى الحوض وقد قال القاضي عياض ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الحوض من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا يدل على أن الشرب منه يقع بعد الحساب والنجاة من النار لان ظاهر حال من لا يظمأ أن لا يعذب بالنار ولكن يحتمل أن من قدر عليه التعذيب منهم ان لا يعذب فيها بالظما بل بغيره (قلت) ويدفع هذا الاحتمال أنه وقع في حديث أبي بن كعب عند ابن أبي عاصم في ذكر الحوض ومن لم يشرب منه
(٤٠٥)