قال الحمد لله فهي كلمة الشكر التي لم يشكر الله عبد حتى يقولها ومن طريق الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال من قال لا إله إلا الله فليقل على اثرها الحمد لله رب العالمين (تكميل) أخرج النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال موسى يا رب علمني شيئا أذكرك به قال قل لا إله إلا الله الحديث وفيه لو أن السماوات السبع وعامرهن والأرضين السبع جعلن في كفة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله فيؤخذ منه ان الذكر بلا إله إلا الله أرجح من الذكر بالحمد لله ولا يعارضه حديث أبي مالك الأشعري رفعه والحمد لله تملأ الميزان فان الملء يدل على المساواة والرجحان صريح في الزيادة فيكون أولى ومعنى ملء الميزان ان ذاكرها يمتلئ ميزانه ثوابا وذكر ابن بطال عن بعض العلماء ان الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه انما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام وليس من أصر على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلا حق بالأفاضل المطهرين في ذلك ويشهد له قوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (قوله حدثنا ابن فضيل) هو محمد وأبوه بالفاء والمعجمة مصغر وعمارة هو ابن القعقاع بن شبرمة وأبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير ورجال الاسناد ما بين زهير بن حرب وأبي هريرة كوفيون (قوله خفيفتان على اللسان الخ) قال الطيبي الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات فلا يشق عليه فذكر المشبه وأراد المشبه به وأما الثقل فعلى حقيقته لان الأعمال تتجسم عند الميزان والخفة والسهولة من الأمور النسبية وفي الحديث حث على المواظبة على هذا الذكر وتحريض على ملازمته لان جميع التكاليف شاقة على النفس وهذا سهل ومع ذلك يثقل في الميزان كما تثقل الافعال الشاقة فلا ينبغي التفريط فيه وقوله حبيبتان إلى الرحمن تثنية حبيبة وهي المحبوبة والمراد أن قائلها محبوب لله ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم وخص الرحمن من الأسماء الحسنى للتنبيه على سعة رحمة الله حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل ولما فيها من التنزيه والتحميد والتعظيم وفي الحديث جواز السجع في الدعاء إذا وقع بغير كلفة وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في آخر الصحيح حيث ختم به المصنف إن شاء الله تعالى (قوله باب فضل ذكر الله عز وجل) ذكر فيه حديثي أبي موسى وأبي هريرة وهما ظاهران فيما ترجم له والمراد بالذكر هنا الاتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والاكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والآخرة ويطلق ذكر الله أيضا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه وان انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل فان انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالا فان وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالا فإن صحح التوجه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال وقال الفخر الرازي المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد
(١٧٥)