لامتلاء القلب بمحبة الله تعالى وخشيته فتنبعث الجوارح إلى الطاعة وتنكف عن المعصية انتهى ملخصا وفي آخر حديث أنس عن معاذ في نحو هذا الحديث فقلت الا أخبر الناس قال لا لئلا يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب العلم (تنبيه) هذا من الأحاديث التي أخرجها البخاري في ثلاثة مواضع عن شيخ واحد بسند واحد وهي قليلة في كتابه جدا ولكنه أضاف إليه في الاستئذان موسى بن إسماعيل وقد تتبع بعض من لقيناه ما أخرجه في موضعين بسند فبلغ عدتها زيادة على العشرين وفي بعضها يتصرف في المتن بالاختصار منه (قوله باب التواضع) بضم الضاد المعجمة مشتق من الضعة بكسر أوله وهي الهوان والمراد بالتواضع إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه وقيل هو تعظيم من فوقه لفضله وذكر فيه حديثين أحدهما حديث أنس في ذكر الناقة لما سبقت وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد في باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وزعم بعضهم أنه لا مدخل له في هذه الترجمة وغفل عما وقع في بعض طرقه عند النسائي بلفظ حق على الله أن لا يرفع شئ نفسه في الدنيا الا وضعه فإن فيه إشارة إلى الحث على عدم الترفع والحث على التواضع والاعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة قال ابن بطال فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة وان كل شئ هان على الله فهو في محل الضعة فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيه ويقل منافسته في طلبه وقال الطبري في التواضع مصلحة الدين والدنيا فإن الناس لو استعملوه في الدنيا لزالت بينهم الشحناء ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة (قلت) وفيه أيضا حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه لكونه رضى أن أعرابيا يسابقه وفيه جواز المسابقة وزهير في السند الأول هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي ومحمد في السند الثاني هو ابن سلام وجزم به الكلاباذي ووقع كذلك في نسخة من رواية أبي ذر والفزاري هو مروان بن معاوية ووهم من زعم أنه أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد بن الحارث نعم رواية أبي إسحاق الفزاري له قد تقدمت في الجهاد وأبو خالد الأحمر هو سليمان بن جيان الحديث الثاني (قوله محمد بن عثمان بن كرامة) بفتح الكاف والراء الخفيفة هو من صغار شيوخ البخاري وقد شاركه في كثير من شيوخه منهم خالد بن مخلد شيخه في هذا الحديث فقد أخرج عنه البخاري كثيرا بغير واسطة منها في باب الاستعاذة من الجبن في كتاب الدعوات وهو أقربها إلى هذا (قوله عن عطاء) هو ابن يسار ووقع كذلك في بعض النسج وقيل هو ابن أبي رباح والأول أصح نبه على ذلك الخطيب وساق الذهبي في ترجمة خالد من الميزان بعد أن ذكر قول أحمد فيه له مناكير وقول أبي حاتم لا يحتج به وأخرج ابن عدي عشرة أحاديث من حديثه استنكرها هذا الحديث من طريق محمد بن مخلد عن محمد بن عثمان بن كرامة شيخ البخاري فيه وقال هذا حديث غريب جدا لولا هيبة الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد فإن هذا المتن لم يرو الا بهذا الاسناد ولا خرجه من عدا البخاري ولا أظنه في مسند أحمد (قلت) ليس هو في مسند أحمد جزما وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن الا بهذا الاسناد مردود ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد فيه مقال أيضا وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدم وأخر وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها كما يأتي القول فيه مستوعبا في مكانه ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا منها عن عائشة أخرجه أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية
(٢٩٢)