تعالى وهذا القدر الذي يكنى عنه بالحقيقة فلو اتفق أن العبد خالف حتى يجرى عليه ما قدر عليه وقامت الحجة عليه ببيان المخالفة لم يبق إلا أحد أمرين اما العقوبة بمقتضى العدل أو العفو بمقتضى الفضل انتهى ملخصا وقال أيضا من شروط الاستغفار صحة النية والتوجه والأدب فلو أن أحدا حصل الشروط واستغفر بغير هذا اللفظ الوارد واستغفر آخر بهذا اللفظ الوارد لكن أخل بالشروط هل يستويان فالجواب أن الذي يظهر أن اللفظ المذكور انما يكون سيد الاستغفار إذا جمع الشروط المذكورة والله أعلم (قوله باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم) أي وقوع الاستغفار منه أو التقدير مقدار استغفاره في كل يوم ولا يحمل على الكيفية لتقدم بيان الأفضل وهو لا يترك الأفضل (قوله قال قال أبو هريرة) في رواية يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني أبو سلمة أنه سمع أبا هريرة أخرجه النسائي (قوله والله اني لأستغفر الله) فيه القسم على الشئ تأكيدا له وان لم يكن عند السامع فيه شك (قوله لأستغفر الله وأتوب إليه) ظاهره أنه يطلب المغفرة ويعزم على التوبة ويحتمل أن يكون المراد يقول هذا اللفظ بعينه ويرجح الثاني ما أخرجه النسائي بسند جيد من طريق مجاهد عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه في المجلس قبل أن يقوم مائة مرة وله من رواية محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر بلفظ انا كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس رب اغفر لي وتب علي انك أنت التواب الغفور مائة مرة (قوله أكثر من سبعين مرة) وقع في حديث أنس اني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة فيحتمل أن يريد المبالغة ويحتمل أن يريد العدد بعينه وقوله أكثر مبهم فيحتمل أن يفسر بحديث ابن عمر المذكور وانه يبلغ المائة وقد وقع في طريق أخرى عن أبي هريرة من رواية معمر عن الزهري بلفظ اني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة لكن خالف أصحاب الزهري في ذلك نعم أخرج النسائي أيضا من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة بلفظ اني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة وأخرج النسائي أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الناس فقال يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة وله في حديث الأغر المزني رفعه مثله وهو عنده وعند مسلم بلفظ انه ليغان على قلبي واني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة قال عياض المراد بالغين فترات عن الذكر الذي شأنه أن يدام عليه فإذا فتر عنه لأمر ما عد ذلك ذنبا فاستغفر عنه وقيل هو شئ يعترى القلب مما يقع من حديث النفس وقيل هو السكينة التي تغشى قلبه والاستغفار لاظهار العبودية لله والشكر لما أولاه وقيل هي حالة خشية واعظام والاستغفار شكرها ومن ثم قال المحاسبي خوف المتقربين خوف اجلال واعظام وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي لا يعتقد أن الغين في حالة نقص بل هو كمال أو تتمة كمال ثم مثل ذلك بجفن العين حين يسبل ليدفع القذى عن العين مثلا فإنه يمنع العين من الرؤية فهو من هذه الحيثية نقص وفي الحقيقة هو كمال هذا محصل كلامه بعبارة طويلة قال فهكذا بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للأغيرة الثائرة من أنفاس الأغيار فدعت الحاجة إلى الستر على حدقة بصيرته صيانة لها ووقاية عن ذلك انتهى وقد استشكل وقوع الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم والاستغفار يستدعى وقوع معصية وأجيب بعدة أجوبة
(٨٥)