منها ما تقدم في تفسير الغين ومنها قول ابن الجوزي هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد والأنبياء وان عصموا من الكبائر فلم يعصموا من الصغائر كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من الصغائر أيضا ومنها قول ابن بطال الأنبياء أشد الناس اجتهادا في العبادة لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير انتهى ومحصل جوابه أن الاستغفار من التقصير في أداء الحق الذي يجب لله تعالى ويحتمل أن يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة أو لمخاطبة الناس والنظر في مصالحهم ومحاربة عدوهم تارة ومداراته أخرى وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله والتضرع إليه ومشاهدته ومراقبته فيرى ذلك ذنبا بالنسبة إلى المقام العلي وهو الحضور في حظيرة القدس ومنها ان استغفاره تشريع لامته أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم وقال الغزالي في الاحياء كان صلى الله عليه وسلم دائم الترقي فإذا ارتقى إلى خال رأى ما قبلها دونها فاستغفر من الحالة السابقة وهذا مفرع على أن العدد المذكور في استغفاره كان مفرقا بحسب تعدد الأحوال وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك وقال الشيخ السهروردي لما كان روح النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل في الترقي إلى مقامات القرب يستتبع القلب والقلب يستطيع النفس ولا ريب أن حركة الروح والقلب أسرع من نهضة النفس فكانت خطا النفس تقصر عن مداهما في العروج فاقتضت الحكمة ابطاء حركة القلب لئلا تنقطع علاقة النفس عنه فيبقى العباد محرومين فكان صلى الله عليه وسلم يفزع إلى الاستغفار لقصور النفس عن شيئا و ترقى القلب والله أعلم (قوله باب التوبة) أشار المصنف بإيراد هذين البابين وهما الاستغفار ثم التوبة في أوائل كتاب الدعاء إلى أن الإجابة تسرع إلى من لم يكن متلبسا بالمعصية فإذا قدم التوبة والاستغفار قبل الدعاء كان أمكن لاجابته وما ألطف قول ابن الجوزي إذ سئل أأسبح أو أستغفر فقال الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور والاستغفار استفعال من الغفران وأصله الغفر وهو الباس الشئ ما يصونه عما يدنسه وتدنيس كل شئ بحسبه والغفران من الله للعبد أن يصونه عن العذاب والتوبة ترك الذنب على أحد الأوجه وفي الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على فعله والعزم على عدم العود ورد المظلمة إن كانت أو طلب البراءة من صاحبها وهي أبلغ ضروب الاعتذار لان المعتذر اما أن يقول لا أفعل فلا يقع الموقع عند من اعتذر له لقيام احتمال انه فعل لا سيما ان ثبت ذلك عنده عنه أو يقول فعلت لأجل كذا ويذكر شيا يقيم عذره وهو فوق الأول أو يقول فعلت ولكن أسأت وقد أقلعت وهذا أعلاه انتهى من كلام الراغب ملخصا وقال القرطبي في المفهم اختلفت عبارات المشايخ فيها فقائل يقول إنها الندم وآخر يقول إنها العزم على أن لا يعود وآخر يقول الاقلاع عن الذنب ومنهم من يجمع بين الأمور الثلاثة وهو أكملها غير أنه مع ما فيه غير مانع ولا جامع أما أولا فلانه قد يجمع الثلاثة ولا يكون تائبا شرعا إذ قد يفعل ذلك شحا على ماله أو لئلا يعيره الناس به ولا تصح التوبة الشرعية الا بالاخلاص ومن ترك الذنب لغير الله لا يكون تائبا اتفاقا وأما ثانيا فلانه يخرج منه من زنى مثلا ثم جب ذكره فإنه لا يتأتى منه غير الندم على ما مضى وأما العزم على عدم العود فلا يتصور منه قال وبهذا اغتر من قال إن الندم يكفي في حد التوبة وليس كما قال لأنه لو ندم ولم يقلع وعزم على العود لم يكن
(٨٦)