المكاره - الشهوات فمن اطلع الحجاب فقد واقع ما وراءه وكل من تصورها من خارج فقد ضل عن معنى الحديث ثم قال فإن قيل فقد جاء في البخاري حجبت النار بالشهوات فالجواب ان المعنى واحد لان الأعمى عن التقوى الذي قد أخذت الشهوات سمعه وبصره يراها ولا يرى النار التي هي فيها وذلك لاستيلاء الجهالة والغفلة على قلبه فهو كالطائر يرى الحبة في داخل الفخ وهي محجوبة به ولا يرى الفخ لغلبة شهوة الحبة على قلبه وتعلق باله بها (قلت) بالغ كعادته في تضليل من حمل الحديث على ظاهره وليس ما قاله غيره ببعيد وأن الشهوات على جانب النار من خارج فمن واقعها وخرق الحجاب دخل النار كما أن الذي قاله القاضي محتمل والله أعلم (تنبيه) أدخل ابن بطال في هذا الباب حديثي الباب الذي بعده وحذف الترجمة التي تليه وهي ثابتة في جميع الأصول وفيها الحديثان وليس في الذي قبلها الا حديث أبي هريرة (قوله باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله) هذه الترجمة حذفها ابن بطال وذكر الحديثين اللذين فيها في الباب الذي قبلها والمناسبة ظاهرة لكن الذي ثبت في الأصول التفرقة * الحديث الأول (قوله حدثنا موسى بن مسعود) هو أبو حذيفة النهدي وهو بكنيته أشهر وسفيان شيخه هو الثوري وعبد الله هو ابن مسعود والسند كله كوفيون (قوله شراك) تقدم ضبطه وبيانه في أواخر كتاب اللباس وانه السير الذي يدخل فيه إصبع الرجل ويطلق أيضا على كل سير وقي به القدم قال ابن بطال فيه أن الطاعة موصلة إلى الجنة وان المعصية مقربة إلى النار وان الطاعة والمعصية قد تكون في أيسر الأشياء وتقدم في هذا المعنى قريبا حديث إن الرجل ليتكلم بالكلمة الحديث فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه ولا في قليل من الشر أن يجتنبه فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ولا السيئة التي يسخط عليه بها وقال ابن الجوزي معنى الحديث ان تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية * الحديث الثاني حديث أبي هريرة وقد تقدم في أوائل السيرة النبوية وفي الأدب (قوله أصدق بيت) أطلق البيت على بعضه مجازا فإن الذي ذكره نصفه وهو المصراع الأول المسمى عروض البيت وأما نصفه الثاني وهو المسمى بالضرب فهو * وكل نعيم لا محالة زائل * ويحتمل أن يكون على سبيل الاكتفاء فأشار بأول البيت إلى بقيته والمراد كله وعكسه ما مضى في باب ما يجوز من الشعر في كتاب الأدب بلفظ أصدق كلمة فإن المراد بها القصيدة وقد أطلقها وأراد البيت وتقدم شرح هذا الحديث في أيام الجاهلية وأورده فيها أيضا بلفظ أصدق كلمة وهو المشهور وذكرت هناك أن في رواية شريك عند مسلم بلفظ أشعر كلمة تكلمت بها العرب وبحث السهيلي في ذلك وذكرت أيضا ما أورده ابن إسحاق في السيرة فيما جرى لعثمان بن مظعون مع لبيد بن ربيعة ناظم هذا البيت حيث قال له لما أنشد المصراع الأول صدقت ولما أنشد المصراع الثاني كذبت ثم قال له نعيم الجنة لا يزول وذكرت توجيه كل من الامرين وان كل من صدق بأن ما خلا الله باطل فقد صدق ببطلان ما سواه فيدخل نعيم الجنة بما حاصله أن المراد بالباطل هنا الهالك وكل شئ سوى
(٢٧٥)