الشخص بمالا تدرك حقيقته وجواز التعبير عن ذلك بما يفهمه وان الأمور التي في الآخرة لا تشبه بما في الدنيا الا في الأسماء والأصل مع المبالغة في تفاوت الصفة والاستدلال على العلم الضروري بالنظري وان الكلام إذا كان محتملا لامرين يأتي المتكلم بشئ يتخصص به مراده عند السامع وان التكليف لا ينقطع الا بالاستقرار في الجنة أو النار وان امتثال الامر في الموقف يقع بالاضطرار وفيه فضيلة الايمان لأنه لما تلبس به المنافق ظاهرا بقيت عليه حرمته إلى أن وقع التمييز باطفاء النور وغير ذلك وان الصراط مع دقته وحدته يسع جميع المخلوقين منذ آدم إلى قيام الساعة وفيه ان النار مع عظمها وشدتها لا تتجاوز الحد الذي أمرت باحراقه والآدمي مع حقارة جرمه يقدم على المخالفة ففيه معنى شديد من التوبيخ وهو كقوله تعالى في وصف الملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وفيه إشارة إلى توبيخ الطغاة والعصاة وفيه فضل الدعاء وقوة الرجاء في إجابة الدعوة ولو لم يكن الداعي أهلا لذلك في ظاهر الحكم لكن فضل الكريم واسع وفي قوله في آخره في بعض طرقه ما أغدرك إشارة إلى أن الشخص لا يوصف بالفعل الذميم الا بعد أن يتكرر ذلك منه وفيه إطلاق اليوم على جزء منه لان يوم القيامة في الأصل يوم واحد وقد اطلق اسم اليوم على كثير من أجزائه وفيه جواز سؤال الشفاعة خلافا لمن منع محتجا بأنها لا تكون الا لمذنب قال عياض وفات هذا القائل انها قد تقع في دخول الجنة بغير حساب وغير ذلك كما تقدم بيانه مع أن كل عاقل معترف بالتقصير فيحتاج إلى طلب العفو عن تقصيره وكذا كل عامل يخشى أن لا يقبل عمله فيحتاج إلى الشفاعة في قبوله قال ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة ولا بالرحمة وهو خلاف ما درج عليه السلف في أدعيتهم وفي الحديث أيضا تكليف مالا يطاق لان المنافقين يؤمرون بالسجود وقد منعوا منه كذا قيل وفيه نظر لان الامر حينئذ للتعجيز والتبكيت وفيه اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة قال الطيبي وقول من أثبت الرؤية ووكل علم حقيقتها إلى الله فهو الحق وكذا قول من فسر الاتيان بالتجلي هو الحق لان ذلك قد تقدمه قوله هل تضارون في رؤية الشمس والقمر وزيد في تقرير ذلك وتأكيده وكل ذلك يدفع المجاز عنه والله أعلم واستدل به بعض السالمية ونحوهم على أن المنافقين وبعض أهل الكتاب يرون الله مع المؤمنين وهو غلط لان في سياق حديث أبي سعيد ان المؤمنين يرونه سبحانه وتعالى بعد رفع رؤسهم من السجود وحينئذ يقولون أنت ربنا ولا يقع ذلك للمنافقين ومن ذكر معهم وأما الرؤية التي اشترك فيها الجميع قبل فقد تقدم أنه صورة الملك وغيره (قلت) ولا مدخل أيضا لبعض أهل الكتاب في ذلك لان في بقية الحديث أنهم يخرجون من المؤمنين ومن معهم ممن يظهر الايمان ويقال لهم ما كنتم تعبدون وانهم يتساقطون في النار وكل ذلك قبل الامر بالسجود وفيه أن جماعة من مذنبي هذه الأمة يعذبون بالنار ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة خلافا لمن نفى ذلك عن هذه الأمة وتأول ما ورد بضروب متكلفة والنصوص الصريحة متضافرة متظاهرة بثبوت ذلك وان تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من أخذ النار بعضهم إلى ساقه وانها لا تأكل أثر السجود وانهم يموتون فيكون عذابهم احراقهم وحبسهم عن دخول الجنة سريعا كالمسجونين بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلا ليذوقوا العذاب ولا يحيون حياة يستريحون بها على أن بعض أهل العلم أول ما وقع في حديث أبي سعيد من قوله
(٤٠٤)