لذلك سببا ولو كان خالقا لفعله لما عجز عن فعل ما يريده مع وجود الطواعية واستحكام الشهوة فدل على أن ذلك فعل مقدر يقدرها إذا شاء ويعطلها إذا شاء (قوله باب وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس) ذكر فيه حديث ابن عباس وقد تقدم في تفسير سورة سبحان مستوفي ووجه دخوله في أبواب القدر من ذكر الفتنة وان الله سبحانه وتعالى هو الذي جعلها وقد قال موسى عليه السلام ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء وأصل الفتنة الاختبار ثم استعملت فيما أخرجه الاختبار إلى المكروه ثم استعملت في المكروه فتارة في الكفر كقوله والفتنة أشد من القتل وتارة في الاثم كقوله ألا في الفتنة سقطوا وتارة في الاحراق كقوله ان الذين فتنوا المؤمنين وتارة في الإزالة عن الشئ كقوله وان كادوا ليفتنونك وتارة في غير ذلك والمراد بها في هذا الموضع الاختبار على بابها الأصلي والله أعلم قال ابن التين وجه دخول هذا الحديث في كتاب القدر الإشارة إلى أن الله قدر على المشركين التكذيب لرؤيا نبيه الصادق فكان ذلك زيادة في طغيانهم حيث قالوا كيف يسير إلى بيت المقدس في ليلة واحدة ثم يرجع فيها وكذلك جعل الشجرة الملعونة زيادة في طغيانهم حيث قالوا كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر وفيه خلق الله الكفر ودواعي الكفر من الفتنة وسيأتي زيادة في تقرير ذلك في الكلام على خلق أفعال العباد في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى والجواب عن شبهتهم ان الله خلق الشجرة المذكورة من جوهر لا تأكله النار ومنها سلاسل أهل النار وأغلالهم وخزنة النار من الملائكة وحياتها وعقاربها وليس ذلك من جنس ما في الدنيا وأكثر ما وقع الغلط لمن قاس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا والله تعالى الموفق (قوله باب تحاج آدم وموسى عند الله) أما تحاج فهو بفتح أوله وتشديد آخره وأصله تحاجج بجيمين ولفظ قوله عند الله فزعم بعض شيوخنا انه أراد أن ذلك يقع منهما يوم القيامة ثم رده بما وقع في بعض طرقه وذلك فيما أخرجه أبو داود من حديث عمر قال قال موسى يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة فأراه الله آدم فقال أنت أبونا الحديث قال وهذا ظاهره أنه وقع في الدنيا انتهى وفيه نظر فليس قول البخاري عند الله صريحا في أن ذلك يقع يوم القيامة فإن العندية عندية اختصاص وتشريف لأعندية مكان فيحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين وقد وردت العندية في القيامة بقوله تعالى في مقعد صدق عند مليك مقتدر وفي الدنيا بقوله صلى الله عليه وسلم أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني وقد بينت في كتاب الصيام أنه بهذا اللفظ في مسند أحمد بسند في صحيح مسلم لكن لم يسق لفظ المتن والذي ظهر لي ان البخاري لمح في الترجمة بما وقع في بعض طرق الحديث وهو ما أخرجه أحمد من طريق يزيد بن هرمز عن أبي هريرة بلفظ احتج آدم وموسى عند ربهما الحديث (قوله سفيان) هو ابن عيينة (قوله حفظناه من عمرو) يعني ابن دينار ووقع في مسند الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق الحميدي (قوله عن طاوس) في رواية أحمد عن سفيان عن عمرو سمع طاوسا وعند الإسماعيلي من طريق محمد بن منصور الخراز عن سفيان عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا (قوله في آخره وقال سفيان حدثنا أبو الزناد) هو موصول عطفا على قوله حفظناه من عمرو ووقع في رواية الحميدي قال وحدثنا أبو الزناد باثبات الواو وهي أظهر في المراد وأخطأ من زعم أن هذه الطريق
(٤٤١)