للترجمة (قوله باب الرجاء مع الخوف) أي استحباب ذلك فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف وفي الخوف عن الرجاء لئلا يفضي في الأول إلى المكر وفي الثاني إلى القنوط وكل منهما مذموم والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا اقلاع فهذا في غرور وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل ومن علامة الشقاء أن تعصي وترجو أن تنجو وقد أخرج ابن ماجة من طريق عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن عائشة قلت يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أهو الذي يسرق ويزني قال لا ولكنه الذي يصوم ويتصدق ويصلي ويخاف أن لا يقبله منه وهذا كله متفق على استحبابه في حالة الصحة وقيل الأول أن يكون الخوف في الصحة أكثر وفي المرض عكسه وأما عند الاشراف على الموت فاستحب قوم الاقتصار على الرجاء لما يتضمن من الافتقار إلى الله تعالى ولان المحذور من ترك الخوف قد تعذر فيتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه ومغفرته ويؤيده حديث لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله وسيأتي الكلام عليه في كتاب التوحيد وقال آخرون لا يهمل جانب الخوف أصلا بحيث يجزم بأنه آمن ويؤيده ما أخرج الترمذي عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال له كيف تجدك فقال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن الا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف ولعل البخاري أشار إليه في الترجمة ولما لم يوافق شرطه أورد ما يؤخذ منه وان لم يكن مساويا له في التصريح بالمقصود (قوله وقال سفيان) هو ابن عيينة (ما في القرآن آية أشد علي من) قوله تعالى قل يا أهل الكتاب (لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) وقد تقدم الكلام على هذا الأثر وبيانه والبحث فيه في تفسير المائدة ومناسبته للترجمة من جهة أن الآية تدل على أن من لم يعمل بما تضمنه الكتاب الذي أنزل عليه لم تحصل له النجاة لكن يحتمل أن يكون ذلك من الاصر الذي كان كتب على من قبل هذه الأمة فيحصل الرجاء بهذه الطريق مع الخوف (قوله حدثنا قتيبة) هو ابن سعيد وثبت كذلك لغير أبي ذر وعمرو هو ابن أبي عمرو مولى المطلب وهو تابعي صغير وشيخه تابعي وسط وهما مدنيان (قوله إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة) قال ابن الجوزي رحمة الله صفة من صفات ذاته وليس هي بمعنى الرقة التي في صفات الآدميين بل ضرب ذلك مثلا لما يعقل من ذكر الاجزاء ورحمة المخلوقين والمراد أنه أرحم الراحمين (قلت) المراد بالرحمة هنا ما يقع من صفات الفعل كما سأقرره فلا حاجة للتأويل وقد تقدم في أوائل الأدب جواب آخر مع مباحث حسنة وهو في باب جعل الله الرحمة مائة جزء (قوله وأرسل في خلقه كلهم) كذا لهم وكذا للإسماعيلي عن الحسن بن سفيان ولأبي نعيم من طريق السراج كلاهما عن قتيبة وذكر الكرماني أن في بعض الروايات في خلقه كله (قوله فلو يعلم الكافر) كذا ثبت في هذه الطريق بالفاء إشارة إلى ترتيب ما بعدها على ما قبلها ومن ثم قدم ذكر الكافر لان كثرتها وسعتها تقتضي أن يطمع فيها كل أحد ثم ذكر المؤمن استطرادا وروى هذا الحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقطعه حديثين أخرجهما مسلم من طريقه فذكر حديث الرحمة بلفظ خلق الله مائة رحمة
(٢٥٨)