فوضع واحدة بين خلقه وخبأ عنده مائة الا واحدة وذكر الحديث الآخر بلفظ لو يعلم المؤمن الخ والحكمة في التعبير بالمضارع دون الماضي الإشارة إلى أنه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لأنه إذا امتنع في المستقبل كان ممتنعا فيما مضى (قوله بكل الذي) استشكل هذا التركيب لكون كل إذا أضيفت إلى الموصول كانت إذ ذاك لعموم الاجزاء لا لعموم الافراد والغرض من سياق الحديث تعميم الافراد وأجيب بأنه وقع في بعض طرقه أن الرحمة قسمت مائة جزء فالتعميم حينئذ لعموم الاجزاء في الأصل أو نزلت الاجزاء منزلة الافراد مبالغة (قوله لم ييأس من الجنة) قيل المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظم العذاب فيحصل له الرجاء أو المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة ومطابقة الحديث للترجمة انه اشتمل على الوعد والوعيد المقتضيين للرجاء والخوف فمن علم أن من صفات الله تعالى الرحمة لمن أراد أن يرحمه والانتقام ممن أراد أن ينتقم منه لا يأمن انتقامه من يرجو رحمته ولا ييأس من رحمته من يخاف انتقامه وذلك باعث على مجانبة السيئة ولو كانت صغيرة وملازمة الطاعة ولو كانت قليلة قيل في الجملة الأولى نوع اشكال فان الجنة لم تخلق للكافر ولا طمع له فيها فغير مستبعد أن يطمع في الجنة من لا يعتقد كفر نفسه فيشكل ترتب الجواب على ما قبله وأجيب بأن هذه الكلمة سيقت لترغيب المؤمن في سعة رحمة الله التي لو علمها الكافر الذي كتب عليه أنه يختم عليه أنه لاحظ له في الرحمة لتطاول إليها ولم ييأس منها اما بايمانه المشروط واما لقطع نظره عن الشرط مع تيقنه بأنه على الباطل واستمراره عليه عنادا وإذا كان ذلك حال الكافر فكيف لا يطمع فيها المؤمن الذي هداه الله للايمان وقد ورد أن إبليس يتطاول للشفاعة لما يرى يوم القيامة من سعة الرحمة أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث جابر ومن حديث حذيفة وسند كل منهما ضعيف وقد تكلم الكرماني هنا على لو بما حاصله أنها هنا لانتفاء الثاني وهو الرجاء لانتفاء الأول وهو العلم فأشبهت لو جئتني أكرمتك وليست لانتفاء الأول لانتفاء الثاني كما بحثه ابن الحاجب في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا والعلم عند الله قال والمقصود من الحديث أن المكلف ينبغي له أن يكون بين الخوف والرجاء حتى لا يكون مفرطا في الرجاء بحيث يصير من المرجئة القائلين لا يضر مع الايمان شئ ولا في الخوف بحيث لا يكون من الخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد صاحب الكبيرة إذا مات عن غير توبة في النار بل يكون وسطا بينهما كما قال الله تعالى يرجون رحمته ويخافون عذابه ومن تتبع دين الاسلام وجد قواعده أصولا وفروعا كلها في جانب الوسط والله أعلم (قوله باب الصبر عن محارم الله) يدخل في هذا المواظبة على فعل الواجبات والكف عن المحرمات وذلك ينشأ عن علم العبد بقبحها وان الله حرمها صيانة لعبده عن الرذائل فيحمل ذلك العاقل على تركها ولو لم يرد على فعلها وعيد ومنها الحياء منه والخوف منه أن يوقع وعيده فيتركها لسوء عاقبتها وان العبد منه بمرأى ومسمع فيبعثه ذلك على الكف عما نهى عنه ومنها مراعاة النعم فإن المعصية غالبا تكون سببا لزوال النعمة ومنها محبة الله فإن المحب يصير نفسه على مراد من يحب وأحسن ما وصف به الصبر أنه حبس النفس عن المكروه وعقد اللسان عن الشكوى والمكابدة في تحمله وانتظار الفرج وقد أثنى الله على الصابرين في عدة آيات وتقدم في أوائل كتاب الايمان حديث الصبر نصف الايمان
(٢٥٩)