فتح الباري - ابن حجر - ج ١١ - الصفحة ٢٦٢
على الله وهو الرضا بالمقدور فالصبر لله يتعلق بإلهيته ومحبته والصبر به يتعلق بمشيئته وارادته والثالث يرجع إلى القسمين الأولين عند التحقيق فإنه لا يخرج عن الصبر على أحكامه الدينية وهي أوامره ونواهيه والصبر على ابتلائه وهو أحكامه الكونية والله أعلم (قوله باب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) استعمل لفظ الآية ترجمة لتضمنها الترغيب في التوكل وكأنه أشار إلى تقييد ما أطلق في حديث الباب قبله وان كلا من الاستغناء والتصبر والتعفف إذا كان مقرونا بالتوكل على الله فهو الذي ينفع وينجع وأصل التوكل الوكول يقال وكلت أمري إلى فلان أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه ووكل فلان فلانا استكفاه أمره ثقة بكفايته والمراد بالتوكل اعتقاد ما دلت عليه هذه الآية وما من دابة في الأرض الاعلى الله رزقها وليس المراد به ترك التسبب والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين لان ذلك قد يجر إلى ضد ما يراه من التوكل وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال هذا رجل جهل العلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله جعل رزقي تحت ظل رمحي وقال لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق قال وكان الصحابة يتجرون ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم انتهى والحديث الأول سبق الكلام عليه في الجهاد والثاني أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه (قوله وقال الربيع بن خثيم بمعجمة ومثلثة مصغر (قوله من كل ما ضاق على الناس) وصله الطبراني وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن منذر الثوري عن أبيه عن الربيع بن خثيم قال في قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا الآية قال من كل شئ ضاق على الناس والربيع المذكور من كبار التابعين صحب ابن مسعود وكان يقول له لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحبك أورد ذلك أحمد في الزهد بسند جيد وحديثه مخرج في الصحيحين وغيرهما والربيع بن منذر لم يخرجوا عنه لكن ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحا وذكره ابن حبان في الثقات وأبوه متفق على توثيقه والتخريج عنه (قوله حدثني إسحاق) هو ابن منصور كما أوضحته في المقدمة وغلط من قال إنه ابن إبراهيم وسيأتي شرح الحديث مستوفي في باب يدخل الجنة سبعون ألفا بعد ثمانية وعشرين بابا إن شاء الله تعالى (قوله باب ما يكره من قيل وقال) ذكر فيه حديث المغيرة بن شعبة في ذلك قال أبو عبيد جعل القال مصدرا كأنه قال نهى عن قيل وقول تقول قلت قولا وقيلا وقالا والمراد أنه نهى عن الاكثار بمالا فائدة فيه من الكلام وهذا على أن الرواية فيه بالتنوين وقال غيره اسمان يقال كثير القيل والقال وفي حرف ابن مسعود ذلك عيسى بن مريم قال الحق بضم اللام وقال ابن دقيق العيد الأشهر منه فتح اللام فيهما على سبيل الحكاية وهو الذي يقتضيه المعنى لان القيل والقال إذا كانا اسمين كانا بمعنى واحد كالقول فلا يكون في عطف أحدهما على الاخر كبير فائدة بخلاف ما إذا كانا فعلين وقال المحب الطبري إذا كانا اسمين يكون الثاني تأكيدا والحكمة في النهي عن ذلك أن الكثرة من ذلك لا يؤمن معها وقوع الخطا (قلت) وفي الترجمة إشارة إلى أن جميع ذلك لا يكره لان من عمومه ما يكون في الخبر المحض فلا يكره والله أعلم وذهب بعضهم إلى أن المراد حكاية أقاويل الناس والبحث عنها كما يقال قال فلان كذا وقيل عنه كذا مما يكره حكايته عنه وقيل هو أن يذكر للحادثة عن العلماء
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»
الفهرست