فيه إشارة إلى التسلية عن الميت بأنه مات بفراغ أجله وهذا الحديث أصل لأهل السنة في أن السعادة والشقاء بتقدير الله القديم وفيه رد على الجبرية لان التيسير ضد الجبر لان الجبر لا يكون الا عن كره ولا يأتي الانسان الشئ بطريق التيسير الا وهو غير كاره له واستدل به على إمكان معرفة الشقي من السعيد في الدنيا كمن اشتهر له لسان صدق وعكسه لان العمل أمارة على الجزاء على ظاهر هذا الخبر ورد بما تقدم في حديث ابن مسعود وان هذا العمل الظاهر قد ينقلب لعكسه على وفق ما قدر والحق ان العمل علامة وامارة فيحكم بظاهر الامر وأمر الباطن إلى الله تعالى قال الخطابي لما أخبر صلى الله عليه وسلم عن سبق الكائنات رام من تمسك بالقدر أن يتخذه حجة في ترك العمل فاعلمهم ان هنا أمرين لا يبطل أحدهما بالآخر باطن وهو العلة الموجبة في حكم الربوبية وظاهر وهو العلامة اللازمة في حق العبودية وانما هي امارة مخيلة في مطالعة علم العواقب غير مفيدة حقيقة فبين لهم ان كلا ميسر لما خلق له وان عمله في العاجل دليل على مصيره في الاجل ولذلك مثل بالآيات ونظير ذلك الرزق مع الامر بالكسب والأجل مع الاذن في المعالجة وقال في موضع آخر هذا الحديث إذا تأملته وجدت فيه الشفاء مما يتخالج في الضمير من أمر القدر وذلك أن القائل أفلا نتكل وندع العمل لم يدع شيئا مما يدخل في أبواب المطالبات والأسئلة الا وقد طالب به وسأل عنه فاعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القياس في هذا الباب متروك والمطالبة ساقطة وانه لا يشبه الأمور التي عقلت معانيها وجرت معاملة البشر فيما بينهم عليها بل طوى الله علم الغيب عن خلقه وحجبهم عن دركه كما أخفى عنهم أمر الساعة فلا يعلم أحد متى حين قيامها انتهى وقد تقدم كلام ابن السمعاني في نحو ذلك في أول كتاب القدر وقال غيره وجه الانفصال عن شبهة القدرية ان الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال وغيب عنا المقادير لقيام الحجة ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته فمن عدل عنه ضل وتاه لان القدر سر من أسرار الله لا يطلع عليه الا هو فإذا أدخل أهل الجنة الجنة كشف لهم عنه حينئذ وفي أحاديث هذا الباب ان أفعال العباد وان صدرت عنهم لكنها قد سبق علم الله بوقوعها بتقديره ففيها بطلان قول القدرية صريحا والله أعلم (قوله باب العمل بالخواتيم) لما كان ظاهر حديث على يقتضي اعتبار العمل الظاهر أردفه بهذه الترجمة الدالة على أن الاعتبار بالخاتمة وذكر فيه قصة الذي نحر نفسه في القتال من حديث أبي هريرة ومن حديث سهل بن سعد وقد تقدم شرحهما في غزوة خيبر من كتاب المغازي وذكرت هناك الاختلاف في اسم المذكور وهل القصتان متغايرتان في موطنين لرجلين أو هما قصة واحدة وقوله في آخر حديث أبي هريرة وانما الأعمال بالخواتيم وقع في حديث أنس عند الترمذي وصححه إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل كيف
(٤٣٦)