بما عنده فقد ثبت في الصحيحين أنه كان إذا جاءه ما فتح الله عليه من خيبر وغيرها من تمر وغيره يدخر قوت أهله سنة ثم يجعل ما بقي عنده عدة في سبيل الله تعالى ثم كان مع ذلك إذا طرأ عليه طارئ أو نزل به ضيف يشير على أهله بايثارهم فربما أدى ذلك إلى نفاد ما عندهم أو معظمه وقد روى البيهقي من وجه آخر عن عائشة قالت ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية ولو شئنا لشبعنا ولكنه كان يؤثر على نفسه وأما قولها فكلته ففنى قال ابن بطال فيه أن الطعام المكيل يكون فناءه معلوما للعلم بكيله وأن الطعام غير المكيل فيه البركة لأنه غير معلوم مقداره (قلت) في تعميم كل الطعام بذلك نظر والذي يظهر أنه كان من الخصوصية لعائشة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع مثل ذلك في حديث جابر الذي أذكره آخر الباب ووقع مثل ذلك في مزود أبي هريرة الذي أخرجه الترمذي وحسنه والبيهقي في الدلائل من طريق أبي العالية عن أبي هريرة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت ادع لي فيهن بالبركة قال فقبض ثم دعا ثم قال خذهن فاجعلن في مزود فإذا أردت أن تأخذ منهن فادخل يدك فخذ ولا تنثر بهن نثرا فحملت من ذلك كذا وكذا وسقا في سبيل الله وكنا نأكل ونطعم وكان المزود معلقا بحقوى لا يفارقه فلما قتل عثمان انقطع وأخرجه البيهقي أيضا من طريق سهل بن زياد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة مطولا وفيه فأدخل يدك فخذ ولا تكفئ فيكفا عليك ومن طريق يزيد بن أبي منصور عن أبيه عن أبي هريرة نحوه ونحوه ما وقع في عكة المرأة وهو ما أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر ان أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الأدم فتعمد إلى العكة فتجد فيها سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو تركتها ما زال قائما وقد استشكل هذا النهي مع الامر بكيل الطعام وترتيب البركة على ذلك كما تقدم في البيوع من حديث المقدام بن معد يكرب بلفظ كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه وأجيب بأن الكيل عند المبايعة مطلوب من أجل تعلق حق المتبايعين فلهذا القصد يندب وأما الكيل عند الانفاق فقد يبعث عليه الشح فلذلك كره ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فاطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأنه وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم قال القرطبي سبب رفع النماء من ذلك عند العصر والكيل والله أعلم الالتفات بعين الحرص مع معاينة ادرار نعم الله ومواهب كراماته وكثرة بركاته والغفلة عن الشكر عليها والثقة بالذي وهبها والميل إلى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة ويستفاد منه أن من رزق شيئا أو أكرم بكرامة أو لطف به في أمر ما فالمتعين عليه موالاة الشكر ورؤية المنة لله تعالى ولا يحدث في تلك الحالة تغييرا والله أعلم (قوله باب) بالتنوين (كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) أي في حياته (وتخليهم عن الدنيا) أي عن ملاذها والتبسط فيها ذكر فيه ثمانية أحاديث الحديث الأول (قوله حدثنا أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث) قال الكرماني يستلزم أن يكون الحديث بغير اسناد يعني غير موصول لان النصف المذكور مبهم لا يدري أهو الأول أو الثاني (قلت) يحتمل أيضا أن يكون قدر النصف الذي حدثه به أبو نعيم ملفقا من الحديث المذكور والذي يتبادر من
(٢٤٠)