يكن لهؤلاء الباقين المخالفة لهؤلاء العوام، وخافوا على أنفسهم القتل إن خالفوا فانقادوا كرها، فلا يكون انقيادهم الحاصل بالاكراه مصححا للاجماع بل هو دليل على عدم صحة الاجماع.
فقال: من أين عرفت ذلك منهم حتى يكون قولك هذا حقا.
قلت: قد تقرر في علم الميزان: أن الدليل إذا قام عليه الاحتمال بطل منه الاستدلال، واحتمال الاكراه في هذا الاجماع قد حصل فيكون باطلا مع أنه قد ظهرت أمارات الاكراه في روايات كثيرة، وها أنا أورد لك بعضها: فمنها ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة مع أنه عامي المذهب، قال في باب فضائل عمر: هو الذي وطأ الامر لأبي بكر وقام فيه حتى دفع في صدر المقداد وكسر سيف الزبير، وقد كان شهره عليهم، وهذا غاية الاكراه. ومنها ما رواه أيضا عن البراء بن عازب قال: لم أزل محبا لأهل البيت - عليهم السلام - ولما مات النبي - صلى الله عليه وآله - أخذني ما يأخذ الوالهة من الحزن، فخرجت لانظر ما يكون من الناس فإذا أنا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة سائرين ومعهم جماعة من الطلقاء وعمر شاهر سيفه وكل ما مر برجل من المسلمين قال له: بايع أبا بكر كما بايعه الناسي فيبايع له شاء ذلك أم لم يشأ، فأنكر ذلك عقلي وجئت اشتد ملء فروجي حتى أتيت عليا - عليه السلام - فأخرته بخبر القوم وكان يسوي قبر رسول الله - صلى الله عليه وآله - بمسحاة كانت بيده فوضع المسحاة من يده ثم قرأ: ﴿ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾ (1) وقال العباس: تربت أيديكم بني هاشم إلى آخر الدهر. وهذا دليل على حصول الاكراه وتوقع علي والعباس له، وما ظنك بأمر تدفع فيه صدور المهاجرين وتكسر سيوفهم وتشهر فيه السيوف على رؤوس المسلمين، كيف لا يكون إكراها لولا عمي الأفئدة