قال الخصم: فقد انتهى قولك إلى أن الذي أمر به غير الذي نهى عنه، وليس هذا هو البداء.
فقلت له: أما في ابتداء الامر فما ظن إبراهيم عليه السلام إلا أن المراد هو الحقيقة، وكذلك كان ظن ولده إسماعيل عليه السلام، فلما انكشفت بالنهي لهما ما علماه مما كان ظنهما سواه، كان ظاهره بداء لمشابهته لحال من يأمر بالشئ وينهي عنه بعينه في وقته، وليستسلمه على ظاهر الامر دون باطنه فلم يرد ما ذكرت شيئا (1).
(795) الكراجكي وجماعة قال: حضرت في سنة ثماني عشرة وأربعمائة مجلسا فيه جماعة ممن يحب استماع الكلام، ومطلع نفسه فيه إلى السؤال، فسألني أحدهم، فقال: كيف يصح لكم القول: بالقول والاعتقاد بأن الله لا يجوز عليه الظلم مع قولكم: انه سبحانه يعذب الكفار في يوم القيامة بنار الأبد عذابا متصلا غير منقطع؟ وما وجه الحكمة والعدل في ذلك، وقد علمنا أنه هذا الكافر وقع منه كفره في مدة متناهية وأوقات محصورة، وهي مبلغ عمره الذي هو مائة سنة في المثل وأقل أو أكثر؟ فكيف جاز في العدل عذابه أكثر من زمان كفره؟ وإلا زعمتم أن عذابه متناه كعمره ليستمر لكم القول بالعدل وتزول مناقضتكم لما تنفون عن الله تعالى من الظلم.
الجواب: فقلت له: سألت، فافهم الجواب، اعلم أن الحكمة لما اقتضت الخلق والتكليف وجب أن يرغب العبد فيما أمره به من الايمان بغاية الترغيب، وبزجر عما نهي عنه من الكفر بغاية التخويف والترهيب، ليكون ذلك أدعى