(821) عدي ومعاوية روي: أن عدي بن حاتم دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال:
يا عدي أين الطرفات؟ يعني بنيه طرفا وطارفا وطرفة. قال: قتلوا يوم صفين بين يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقال: ما أنصفك ابن أبي طالب، إذ قدم بنيك وأخر بنيه. قال: بل ما أنصفت أنا عليا، إذ قتل وبقيت.
قال: صف لي عليا. فقال: إن رأيت أن تعفيني. قال: لا أعفيك.
قال: كان والله بعيد المدى وشديد القوى، يقول عدلا ويحكم فضلا، تتفجر الحكمة من جوانبه والعلم من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير الدمعة طويل الفكرة، يحاسب نفسه إذا خلا، يقلب كفيه على ما مضى، يعجبه من اللباس القصير ومن المعاش الخشن، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ويدنينا إذا أتيناه، ونحن مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته، فإن تبسم فعن اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين يتحبب إلى المساكين، لا يخاف القوي ظلمه، ولا ييأس الضعيف من عدله، فاقسم لقد رأيته ليلة وقد مثل في محرابه وأرخى الليل سرباله وغارت نجومه، ودموعه تتحادر على لحيته، وهو يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه وهو يقول:
(يا دنيا أإلي تعرضت أم إلي أقبلت؟ غري غيري لاحان حينك، قد طلقتك ثلاث لا رجعة لي فيك، فعيشك حقير وخطرك يسير، آه من قلة الزاد وبعد السفر وقلة الأنيس).
قال: فوكفت عينا معاوية ينشفهما بكمه، ثم قال: يرحم الله أبا لحسن كان كذا، فكيف صبرك عنه؟