جئنا له غير الماء، ولو سبقناك إليه لم نحل بينك وبينه، فإن شئت خليت عن الماء، وإن شئت تناجزنا عليه وتركنا ما جئنا له.
فانطلق الأشعث إلى معاوية، فقال له: إنك تمنعنا الماء وأيم الله لنشربنه، فمرهم يكفوا عنه قبل أن نغلب عليه، والله لا نموت عطشا وسيوفنا على رقابنا.
فقال معاوية لأصحابه: ما ترون؟ فقال رجل منهم: نرى أن نقتلهم عطشا، كما قتلوا عثمان ظلما، فقال عمرو بن العاص: لا تظن يا معاوية، أن عليا يظمأ وأعنة الخيل بيده، وهو ينظر إلى الفرات، حتى يشرب أو يموت دونه، خل عن القوم يشربوا.
فقال معاوية: هذا والله أول الظفر، لاسقاني الله من حوض الرسول إن شربوا منه، حيت يغلبوني عليه. فقال عمرو: وهذا أول الجور، أما تعلم أن فيهم العبد والأجير والضعيف ومن لاذنب له؟ لقد شجعت الجبان، وحملت من لا يريد قتالك على قتالك (1).
(727) سعد بن قيس وعبد الله بن عمرو قال: وذكروا أن معاوية دعا عبد الله بن عمرو بن العاص، فأمره أن يكلم أهل العراق، فأقبل عبد الله بن عمرو حتى إذا كان بين الصفين نادى: يا أهل العراق أنا عبد الله بن عمرو بن العاص، إنه عبد الله بن عمرو بن العاص، إنه قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين والدنيا، فإن تك للدين فقد والله أسرفنا وأسرفتم، وإن تك للدنيا فقد والله اعذرنا واعذرتم، وقد دعوناكم لامر لو دعوتمونا إليه أجبناكم، فإن يجمعنا وإياكم الرضا فذلك من الله، وإلا فاغتنموا هذه الفرجة لعل الله أن ينعش بها الحي، وينسي بها القتيل، فإن بقاء المقلد بعد الهالك قليل.