فقال المأمون: يا محمد، أراك تنقاد إلى ما تظن أنه يسرني قبل وجوب الحجة لي عليك، وتطريني بما لست أحب أن اطرى به، وتستخذي لي في المقام الذي ينبغي أن تكون فيه مقاوما لي، ومحتجا علي، ولو شئت أن اقسر الأمور بفضل بيان، وطول لسان، وأغتصب الحجة بقوة الخلافة، وأبهة الرياسة لصدقت وإن كنت كاذبا، وعدلت وإن كنت جائرا وصوبت وإن كنت مخطئا، لكني لا أرضى إلا بغلبة الحجة، ودفع الشبهة، وإن انقص الملوك عقلا، وأسخفهم رأيا، من رضي بقولهم: صدق الأمير (1).
(788) الأحنف ومعاوية وفي تذكرة سبط ابن الجوزي عن الأحنف بن قيس قال: دخلت على معاوية فقدم إلي من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قال: قدموا ذلك اللون، فقدموا لونا ما أدري ما هو؟ فقال: مصارين البط محشوة بالمخ ودهن الفستق قد ذر عليه السكر.
قال فبكيت. فقال: ما يبكيك؟
فقلت: لله در ابن أبي طالب، لقد جاء من نفسه بما لم تسمح به أنت ولا غيرك. فقال: وكيف؟
قلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره فقال لي: قم فتعشى مع الحسن والحسين. ثم قام إلى الصلاة، فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه فأخرج منه شعيرا مطحونا ثم ختمه، فقلت، لم أعهدك بخيلا يا أمير المؤمنين، فقال: لم أختمه بخلا، ولكن خفت أن يبسه الحسن أو الحسين بسمن أو إهالة، فقلت:
أحرام هو؟ قال: لا ولكن على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم حالا في