واستأثرت بفضلهم، ومزقت كتابهم، وحميت قطر السماء ونبت الأرض، وحملت بني أبيك على رقاب الناس، حتى قد أوغرت صدورهم واخترت عداوتهم، ولعمري! لئن فعلت ذلك فإنك تعلم أنك إذا فعلت ذلك وتكرمت فإنما تفعله من فيئنا وبلادنا، والله حسيبك يحكم بيننا وبينك، وإن أنت أبيت وعنيت قتلنا وأذانا ولم تفعل فإننا نستعين الله ونستجيره من ظلمك لنا بكرة وعشيا، والسلام.
ثم جاء كعب بن عبيدة بكتابه هذا إلى العنزي - وقد ركب يريد المدينة - فقال: أحب أن تدفع كتابي هذا إلى عثمان، فإن فيه نصيحة له وحثا على الإحسان إلى الرعية والكف عن ظلمها، فقال: أفعل ذلك.
قال: ثم أخذ الكتاب منه ومضى إلى المدينة.
ورجع كعب بن عبيدة حتى دخل المسجد الأعظم فجعل يحدث أصحابه بما كتب إلى عثمان. فقالوا: والله يا هذا لقد اجترأت وعرضت نفسك لسطوة هذا الرجل! فقال: لا عليكم فإني أرجو العافية والأجر العظيم، ولكن ألا أخبركم بمن هو أجرأ مني؟ قالوا: بلى ومن ذلك؟ فقال: الذي ذهب بالكتاب. فقالوا: بلى صدقت إنه لكذلك! وإنا لنرجو أن يكون أعظم هذا المصر أجرا عند الله غدا.
ذكر قدوم العنزي على عثمان وما كان من قصته معه:
قال: وقدم العنزي على عثمان - رض - بالمدينة، فدخل وسلم عليه، ثم ناوله الكتاب الأول - وعنده نفر من أهل المدينة - فلما قرأه عثمان ارتد لونه وتغير وجهه! ثم قال: من كتب إلي هذا الكتاب؟ فقال العنزي: كتبه إليك ناس كثير من صلحاء الكوفة وقرائها وأهل الدين والفضل. فقال عثمان:
كذبت إنما كتبه السفهاء وأهل البغي والحسد، فأخبرني من هم؟ فقال