نفيت منا، وكان القريب والبعيد عندك في الحق سواء، فقد قضينا ما علينا من النصيحة لك، وقد بقي ما عليك من الحق، فإن تبت من هذه الأفاعيل نكون لك على الحق أنصارا وأعوانا، وإلا فلا تلوم إلا نفسك، فإننا لن نصالحك على البدعة وترك السنة، ولن نجد عند الله عذرا إن تركنا أمره لطاعتك، ولن نعصي الله فيما يرضيك، هو أعز في أنفسنا وأجل من ذلك، نشهد الله على ذلك وكفى بالله شهيدا، ونستعينه وكفى بالله ظهيرا، راجع الله بك إلى طاعته يعصمك بتقواه من معصيته، والسلام.
قال: فلما كتبوا الكتاب وفرغوا منه، قال رجل منهم: من يبلغه عنا كتابنا؟ فوالله أن ما نرى أحدا يجترئ على ذلك. قال: فقال (1) رجل من عنزة آدم ممشوق، فقال: والله ما يبلغ هذه الكتاب إلا رجل لا يبالي أضرب أم حبس أم قتل أم نفي أم حرم، فأيكم عزم على أن يصيبه خصلة من هذه الخصال فيأخذه! فقال القوم: ما هاهنا أحد يحب أن يبتلي بخصلة من هذه الخصال، فقال العنزي: هاتوا كتابكم! فوالله إني لا عافية [لي] وإن ابتليت فما أنا يائس أن يرزقني ربي صبرا وأجرا، قال: فدفعوا إليه كتابهم.
وبلغ ذلك كعب بن عبيدة النهدي - وكان من المتعبدين - فقال: والله لأكتبن إلى عثمان كتابا باسمي واسم أبي بلغ ذلك من عنده ما بلغ! ثم كتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من كعب بن عبيدة:
أما بعد، فإني نذير لك من الفتنة متخوف عليك فراق هذه الأمة، وذلك أنك قد نفيت خيارهم، ووليت أشرارهم، وقسمت فيأهم في عدوهم،