في مصر:
ولم تقف به همته عند هذا الحد، فقد شاء أن يحشر نفسه في بيئات فكرية مختلفة، ويتلقى نماذج مختلفة من الفكر والثقافة، ولا تظل ثقافته قاصرة على هذا اللون من الفكر الفقهي والفلسفي والأدبي الذي يتعاطاه العلماء والطلاب في سوريا.
فصمم سنة 943 أو 944 أن يغادر (دمشق) إلى (مصر)، حيث يلتقي بأجواء فكرية جديدة عليه، وحيث يمكنه أن يتصل بوجوه جديدة من الشخصيات الفكرية والاجتماعية، وتبرع له بنفقات سفره (الحاج شمس الدين محمد بن هلال)، وكان هذا الرجل الكريم قد أسدى من قبل إلى (الشهيد) أيادي بيضاء، فكان يجري عليه راتبا خاصا أيام دراسته، ويتحمل نفقاته ونفقات عياله، ولم نعرف نحن شيئا عن هذا الرجل الكريم غير أنه كان ينهض بنفقات (الشهيد) ولم يعرض لنا التاريخ غير هذا الجزء من حياته.
ويحدثنا مترجمو (حياة الشهيد) أنه وجد قتيلا بعد ذلك في سنة 952، أو 956 في بيته مع زوجته وولدين له أحدهما رضيع في السرير.
وكان (ابن العودي) وهو التلميذ الملازم للشهيد يرغب أن يلازم أستاذه الكبير في سفرته هذه ويكون بركبه، إلا أن والدته التمست من (الشهيد) أن يمنعه عن الالتحاق به، فاستجاب لها وطلب إلى تلميذه أن يرجع عن رأيه، فنزل التلميذ عند رأي أستاذه آسفا لذلك، وبلغ (مصر) يوم الجمعة منتصف شهر ربيع الآخر من سنة 942.
وكانت (مصر) يومذاك مركزا كبيرا من مراكز الحركة العقلية