على الوظائف والمدارس، وبذل لي ما اختاره، وأكد في كون ذلك في الشام أو حلب، فاقتضى الحال أن اخترت منه المدرسة النورية ببعلبك لمصالح وجدتها، ولظهور أمر الله تعالى بها على الخصوص، فأعرض لي بها إلى (السلطان سليمان) وكتب لي بها براءة، وجعل لي في كل شهر ما شرطه واقفها (السلطان نور الدين الشهيد) (1).
وبعد بقاء (الشهيد) في القسطنطينية مدة ثلاثة أشهر ونصف عزم على التجول في ربوع البلاد الرومية، والاستزادة من تجارب الحياة التي كان الشهيد لا يدع فرصة للحصول عليها، فسافر إلى مدينة تسمى (اسكدار) وهي مقابلة لمدينة القسطنطينية يفصل بينهما البحر، واجتمع في هذه المدينة برجالات علمية كبيرة كعادته، ومن بين هؤلاء رجل هندي له فضل ومعرفة بفنون كثيرة منها الرمل والنجوم (2).
زيارة العتبات المقدسة في العراق:
دام سفر شيخنا الشهيد في البلاد الرومية ما يقرب من تسعة أشهر تجول خلالها في كثير من مدنها، واتصل بكثير من علمائها وأعيانها ووجهائها، وأخذ بغيته من العلوم والمعارف المتنوعة، وكتب كتابات دقيقة جدا عن المدن التي زارها مما يدل على حبه الشديد للاستطلاع أينما حل حتى أنه لم ينس أن يذكر مناخ المدينة، وأنواع أثمارها، وبعض عادات أهلها... وما إلى ذلك من الأمور التي اعتاد استقصاءها أولئك الرجال الأفذاذ الذين ينظرون إلى كل شئ بنظر دقيق عميق.