إزاء اشتغاله بالدراسة.
وعز على الطالب الناشئ أن يفقد والده الذي كان يحنو عليه ويحفه بعنايته ورعايته أيام الدراسة، إلا أنه كان أجلد وأقوى من أن يغير سيره في الدراسة والبحث لمثل هذه الحوادث التي تعرض الإنسان في الحياة.
ولم يشأ (الشهيد) أن يبقى ثابتا على المستوى الفقهي الذي بلغه حتى هذا الوقت، ويحتل مكان والده، فقد كان يرنو إلى مستوى أسمى من ذلك.
والذي يميز الرجال البارزين في التاريخ عن غيرهم ليس الكفاءة والنبوغ وحده، وإنما هو قبل ذلك الثبات والصمود أمام المشاكل التي تعترضهم في الطريق، والهمم العالية التي تدفعهم دائما إلى الأمام وكان (الشهيد) من أولئك الأفذاذ من الرجال الذين لم يركنوا إلى الراحة والهدوء والاستقرار، ولم تتقاعس بهم هممهم عند حد من الفضل والمكانة.
فرأى (الشهيد) في (ميس) (1) وهو بعد لم يتجاوز سني المراهقة بهجر وطنه، ويذهب إلى (ميس) لتكميل دراسته، فحضر فيها على الشيخ الجليل (علي بن عبد العالي الكركي) قدس الله سره من سنة 925 حتى سنة 933، وقرأ عليه (شرايع الإسلام) و (الإرشاد) وأكثر (القواعد).
وفي غالب الظن أن دراسة (الشهيد) في هذا الدور للشرائع والإرشاد والقواعد لم تكن دراسة سطحية، وإنما كانت شيئا بين البحث النظري والاجتهاد، وبين دراسة السطح.
.