يا رسول الله؟ قال: فان كنتم فاعلين فلا يبيتن أحدكم إلا واجله بين عينيه فليحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وليذكر القبر والبلى، ومن أراد الآخرة فليترك زينة الحياة الدنيا.
قيل للصادق " عليه السلام ": ما الزهد في الدنيا؟ قال: قد حد الله ذلك في كتابه فقال: لكي لا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما أتاكم.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": الزهد ثروة، والورع جنة وأفضل الزهد اخفاء الزهد الزهد يخلق الأبدان ويحدد الآمال ويقرب المنية ويباعد الأمنية من ظفر به نصب ومن فاته تعب ولا كرم كالتقوى، ولا تجارة كالعمل الصالح، ولا ورع كالوقوف عند الشبهة ولا زهد كالزهد في الحرام، الزهد كله بين كلمتين، قال الله: لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم فمن لم يأس على الماضي، ومن لم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه أيها الناس الزهادة قصر الامل، والشكر عند النعم والورع عند المحارم فان عزب ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم، ولا تنسوا عند النعم شكركم فقد أعذر الله إليكم بحجج مسفرة ظاهرة، وكتب بارزة العذر واضحة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كان في زهد يحيى بن زكريا " عليه السلام " انه أتى بيت المقدس فنظر إلى المجتهدين من الأحبار والرهبان عليهم مدارع الشعر، وبرانس الصوف وإذا هم قد خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل، وشدوها إلى سواري المسجد فلما نظر إلى ذلك أتى أمه فقال: يا أماه انسجي لي مدرعة من شعر، وبرنسا من صوف حتى آتى بيت المقدس فاعبد الله فيه مع الأحبار والرهبان، فقالت له أمه: حتى يأتي نبي الله فأخبره في ذلك فلما دخل زكريا " عليه السلام " أخبرته بمقالة يحيى، فقال له زكريا: يا بنى ما يدعوك إلى هذا؟ وإنما أنت صبي صغير فقال له: يا أبة أما رأيت من هو أصغر سنا منى قد ذاق الموت؟ قال: بلى قال لامه انسجي له مدرعة من شعر، وبرنسا من صوف ففعلت فتدرع بالمدرعة على بدنه ووضع البرنس على رأسه ثم أتى بيت المقدس فاقبل يعبد الله عز وجل مع الأحبار حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى فأوحى الله عز وجل يا يحيى أتبكي بما قد نحل من جسمك وعزتي وجلالي لو اطلعت إلى النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه، ثم بدت للناظرين أضراسه فبلغ ذلك أمه فدخلت عليه واقبل زكريا