طرفي وظننت انى خافضه حتى اقبض ولا تلقمت لقمة إلا ظننت انى لا أسيغها انحصر بها من الموت ثم قال يا بني آدم ان كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى والذي نفسي بيده إنما توعدون وما أنتم بمعجزين.
(وروى) ان صاحبا يقال له: همام كان رجلا عابدا فقال: يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني انظر إليهم فتثاقل عن جوابه، ثم قال يا همام اتق الله وأحسن فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون فلم يقنع همام بذلك القول حتى عزم عليه فقام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: أما بعد، فان الله عز وجل خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا عن معصيتهم لأنه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه فقسم بينهم معايشهم ووضع من الدنيا مواضعهم فالمتقون فيها أهل الفضائل منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع غضوا ابصارهم عما حرم الله عليهم ووقفوا اسماعهم على العلم النافع لهم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء لولا الاجل الذي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة وحاجتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة صبروا أياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة تجارة مربحة يسرها لهم ربهم ارادتهم الدنيا ولم يريدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها أما الليل فصافون اقدامهم تالين لاجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا يحزنون به أنفسهم ويستبشرون به دواء دائهم فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلعت نفوسهم إليها شوقا فظنوا أنها نصب أعينهم وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا ان زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم فهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم واكفهم وركبهم وأطراف اقدامهم يطلبون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم واما النهار فحلماء علماء ابرار أتقياء قد براهم الخوف برى القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم مرض ويقول: قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون إذا زكى أحد منهم خاف مما يقال له فيقول أنا أعلم بنفسي من غيري وربى أعلم منى بنفسي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون