فسقطت هذه (1) الآثار كلها ثم لو صحت لم يكن فيها نص ولا دليل على أن غسل الجمعة ليس بواجب، وإنما فيها أن الوضوء نعم العمل (2)، وأن الغسل أفضل وهذا لا شك فيه، وقد قال الله تعالى: (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم) فهل دل هذا اللفظ على أن الايمان والتقوى ليس فرضا؟! حاشا لله من هذا، ثم لو كان في جميع هذه الأحاديث نص على أن غسل الجمعة ليس (3) فرضا لما كان في ذلك حجة، لان ذلك كأن يكون موافقا لما كان الامر عليه قبل قوله عليه السلام (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وعلى كل مسلم) وهذا القول منه عليه السلام شرع وارد وحكم زائد ناسخ للحالة الأولى بيقين لا شك فيه، ولا يحل ترك الناسخ بيقين، والاخذ بالمنسوخ * وأما حديث عائشة رضي الله عنها: (كانوا عمال أنفسهم ويأتون في العباء والغبار من العوالي فتثور لهم روائح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تطهرتم ليومكم هذا) أو (أو لا تغتسلون) فهو خبر صحيح، الا أنه لا حجة لهم فيه أصلا، لأنه لا يخلو هذا من أن يكون قبل أن يخطب عليه السلام على المنبر فأمر الناس بالغسل يوم الجمعة، وقبل أن يخبر عليه السلام بان غسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم وكل محتلم والطيب والسواك وقبل أن يخبر عليه السلام أنه حق لله تعالى على كل مسلم، أو يكون بعد كل ما ذكرنا ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن كان خبر عائشة قبل ما رواه عمر بن الخطاب وابنه وأبو هريرة وابن عباس، وأبو سعيد الخدري وجابر، فلا يشك ذو حس سليم في أن الحكم للمتأخر، وإن كان خبر عائشة بعد كل ما ذكرنا من ايجاب الغسل يوم الجمعة والسواك والطيب وأنه حق الله تعالى على كل مسلم، فليس فيه نص ولا دليل على نسخ الايجاب المتقدم، ولا على اسقاط حق الله تعالى المنصوص على اثباته، وإنما هو تبكيت لمن ترك الغسل المأمور به الموجب فقط، وهذا تأكيد للامر المتيقن لا إسقاط له فقد نهى
(١٤)