وكونه بإزاء المعنى دون الذات من الصفات الغالبة. " الرحيم " عام لفظا لأنه قد يسمى به غيره تعالى، وهما صفة مشبهة من رحم، بجعله لازما بنقله إلى باب فعل بضم ثانية، إذ لا تشتق من متعد. والرحمة عطف، أي تعطف وشفقة وميل روحاني لا جسماني ومن ثم جعف الانعام مسببا عن العطف والرقة لا عن الانحناء الجسماني، وكلاهما في حقه تعالى، محال. فهو مجاز إما عن نفس الانعام فيكون صفة فعل، أو عن إرادته فيكون صفة ذات، وإما تمثيل للغائب أي تمكنه تعالى من الانعام بالشاهد، أي تمكن الملك من ملكه فتفرض حاله تعالى على سبيل التمكن منه بحال ملك عطف على رعيته ورق لهم فعمهم معروفه فأطلقا عليه تعالى على طريق الاستعارة التمثيلية. وقدم " الرحمن " لأنه علم أو كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره، أو لأن الرحيم ذكر كالتتمة والرديف للرحمن، لئلا يتوهم كون دقائق الرحمة لغيره تعالى.
(الحمد لله) أي الوصف بالجميل الاختياري على قصد التعظيم ثابت له تعالى.
والحمد عرفا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حي إنه منعم على الحامد أو غيره بدأ بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع " في رواية بحمد الله " وفي رواية " بالحمد " وفي رواية " كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم " قال النووي في شرح المهذب: روينا كل هذه الألفاظ في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي، ورويناه عنه من رواية كعب بن مالك الصحابي رضي الله عنه، والمشهور رواية أبي هريرة وحديثه هذا حسن رواه أبو داود ابن ماجة في سننهما والنسائي في عمل اليوم والليلة وأبو عوانه يعقوب بن إسحاق الأسفرايني في أول صحيحه المخرج على صحيح مسلم. وروي موصولا ومرسلا ورواية الموصول إسنادها جيد. قوله صلى الله عليه وسلم " كل أمر ذي بال " معناه له حال يهتم به، ومعنى " أقطع " أي ناقص قليل البركة و " أجذم " وهو بجيم وذال معجمة، يقال جذم يجذم كعلم يعلم.
قال العلماء: تستحب البداءة بالحمد لله لكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب ومزوج ومتزوج، وبين يدي سائر الأمور المهمة انتهى. وفي لفظ " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة " رواه الرهاوي عن أبي هريرة.
وقدم البسملة على الحمدلة عملا بالكتاب العزيز والاجماع، فوقع الابتداء بها حقيقة وبالحمدلة بالنسبة لما بعدها، إذ الابتداء أمر عرفي يعتبر ممتدا من الاخذ في التأليف إلى الشروع في المقصود فلا تعارض بين خبريهما.
وأصل الحمد النصب لأنه من مصادر شاع استعمالها منصوبة بإضمار أفعالها، عدل إلى رفعه كما في " سلام عليكم " للدلالة على الدوام والثبات، وأل في الحمد للجنس أو الاستغراق أو العهد، واللام في لله للملك أو الاستحقاق أو التعليل، أي جميع المحامد