وماله من النقد الآخر فيدفع الدراهم عن الدنانير والدنانير عن الدراهم لأنه رشيد لا ولاية عليه فلم يجز للحاكم بيع ماله بغير أذنه كالذي لا دين عليه وخالفه صاحباه في ذلك، ولنا ما روى كعب بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله في دينه رواه الخلال باسناده. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه خطب الناس وقال: ألا ان أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته بأن يقال سبق الحاج فأدان معرضا فأصبح وقد رين به فمن كان له عليه مال فليحضر غدا فانا بائعوا ماله وقاسموه بين غرمائه ولأنه محجور عليه محتاج إلى قضاء دينه فجاز بيع ماله بغير رضاه كالصغير والسفيه ولأنه نوع مال فجاز بيعه في قضاء دينه كالأثمان وقياسهم يبطل ببيع الدراهم بالدنانير. إذا ثبت هذا عدنا إلى مسألة الكتاب فنقول: ما فعله المفلس قبل حجر الحاكم عليه من بيع أو هبة أو اقرار أو قضاء بعض الغرماء أو غير ذلك فهو جائز نافذ: وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم أحدا خالفهم ولأنه رشيد غير محجور عليه فنفذ تصرفه كغيره ولان سبب المنع الحجر فلا يتقدم سببه ولأنه من أهل التصرف ولم يحجر عليه فأشبه الملئ وان اكرى جملا بعينه أو دارا لم تنفسخ اجارته بالفلس وكان المكتري أحق به حتى تنقضي مدته.
(فصل) ومتى حجر عليه لم ينفذ تصرفه في شئ من ماله فإن تصرف ببيع أو هبة أو وقف أو أصدق امرأة مالا له أو نحو ذلك لم يصح وبهذا قال مالك والشافعي في قول، وقال في آخر يقف تصرفه فإن كان فيما بقي من ماله وفاء الغرماء نفذ والا بطل، ولنا انه محجور عليه بحكم حاكم فلم يصح تصرفه كالسفيه. ولان حقوق الغرماء تعلقت بأعيان ماله فلم يصح تصرفه فيها كالمرهونة. فاما ان تصرف في ذمته فاشترى أو اقترض أو تكفل صح تصرفه لأنه أهل للتصرف وإنما وجد في حقه الحجر والحجر إنما يتعلق بماله لا بذمته ولكن لا يشارك أصحاب هذه الديون الغرماء لأنهم رضوا بذلك