ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى في مثل هذا شيئا كما بلغنا في الحجام، ووجهه ان ما منع أخذ الأجرة عليه منع قبول الهدية كمهر البغي وحلوان الكاهن، قال القاضي هذا مقتضي النظر لكن ترك مقتضاه في الحجام فيبقى فيما عداه على مقتضى القياس والذي ذكرناه أرفق بالناس وأوفق للقياس، وكلام أحمد يحمل على الورع لا على التحريم {مسألة} قال (والنجش منهي عنه وهو أن يزيد في السلعة وليس هو مشتريا لها) النجش أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليقتدي به المستام فيظن أنه لم يزد فيها هذا القدر إلا وهي تساويه فيغتر بذلك فهذا حرام وخداع. قال البخاري الناجش آكل ربا خائن وهو خداع باطل لا يحل، وروى ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش، وعن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لباد " متفق عليهما ولان في ذلك تغريرا بالمشتري وخديعة له وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " الخديعة في النار " فإن اشترى مع النجش فالشراء صحيح في قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأصحاب الرأي، وعن أحمد ان البيع باطل اختاره أبو بكر وهو قول مالك لأن النهي يقتضي الفساد ولنا ان النهي عاد إلى الناجش لا إلى العاقد فلم يؤثر في البيع ولان النهي لحق الآدمي فلم يفسد العقد كتلقي الركبان وبيع المعيب والمدلس، وفارق ما كان لحق الله تعالى لأن حق الآدمي يمكن جبره بالخيار أو زيادة في الثمن، لكن إن كان في البيع غبن لم تجر العادة بمثله فللمشتري الخيار بين الفسخ والامضاء كما في تلقي الركبان، وإن كان يتغابن بمثله فلا خيار له وسواء كان النجش بمواطأة من البائع أو لم يكن. وقال أصحاب الشافعي إن لم يكن ذلك بمواطأة البائع وعلمه فلا خيار له، واختلفوا فيما إذا كان بمواطأة منه فقال بعضهم لا خيار للمشتري لأن التفريط منه حيث اشترى ما لا يعرف قيمته.
ولنا انه تغرير بالعاقد فإذا كان مغبونا ثبت له الخيار كما في تلقي الركبان ويبطل ما ذكره بتلقي الركبان (فصل) ولو قال البائع أعطيت بهذه السلعة كذا وكذا فصدقه المشتري واشتراها بذلك ثم بان كاذبا فالبيع صحيح وللمشتري الخيار أيضا لأنه في معنى النجش (فصل) وقوله عليه السلام " لا يبع بعضكم على بيع بعض " معناه ان الرجلين إذا تبايعا فجاء آخر إلى المشتري في مدة الخيار فقال: أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون هذا الثمن أو أبيعك خيرا منها بثمنها أو دونه أو عرض عليه سلعة رغب فيها المشتري ففسخ البيع واشترى هذه فهذا غير جائز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ولما فيه من الاضرار بالمسلم والافساد عليه، وكذلك ان اشترى على شراء أخيه وهو أن يجئ إلى البائع قبل لزوم العقد فيدفع في المبيع أكثر من الثمن الذي اشتري به فهو محرم أيضا لأنه في معنى المنهي عنه ولان الشراء يسمى بيعا فيدخل في النهي ولان النبي صلى الله عليه وسلم نهى ان يخطب على خطبة أخيه وهو في معنى الخاطب فإن خالف وعقد فالبيع باطل لأنه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد، ويحتمل أنه صحيح لأن المحرم هو عرض سلعته على المشتري أو قوله الذي فسخ