زيد بن ثابت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا متفق عليه. ولمسلم أن تؤخذ بمثل خرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا، ولان الأصل اعتبار الكيل من الطرفين سقط في أحدهما للتعذر فيجب في الا خر بقضية الأصل، ولان ترك الكيل من الطرفين يكثر الغرر وفي تركه من أحدهما يقلل الغرر ولا يلزم من صحته مع قلة الغرر صحته مع كثرته، ومعنى خرصها بمثلها من التمر أن يطيف الخارص بالعرية فينظر كم يجئ منها تمرا فيشتريها المشتري بمثلها تمرا وبهذا قال الشافعي ونقل حنبل عن أحمد أنه قال يخرصها رطبا ويعطي تمرا رخصة وهذا يحتمل الأول، ويحتمل أنه يشتريها بتمر مثل الرطب الذي عليها لأنه بيع اشترطت المماثلة فيه فاعتبرت حال البيع كسائر البيوع، ولان الأصل اعتبار المماثلة في الحال وأن لا يباع الرطب بالتمر خولف الأصل في بيع الرطب بالتمر فيبقى فيما عداه على قضية الدليل وقال القاضي الأول أصح لأنه يبنى على خرص الثمار في العشر والصحيح ثم خرصه تمرا ولان المماثلة في بيع التمر بالتمر معتبرة حالة الادخار وبيع الرطب بمثله تمرا يفضي إلى فوات ذلك، فأما ان اشتراها بخرصها رطبا لم يجز وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي (والثاني) يجوز (والثالث) لا يجوز مع اتفاق النوع ويجوز مع اختلافه. ووجه جوازه ما روى الجوزجاني عن أبي صالح عن الليث عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أرخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو التمر ولم يرخص في غير ذلك ولأنه إذا جاز بيع الرطب بالتمر مع اختصاص أحدهما بالنقص في ثاني الحال فلان يجوز مع عدم ذلك أولى ولنا ما روى مسلم باسناده عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا أن تؤخذ بمثل خرصها تمرا، وعن سهل أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر وقال " ذلك الربا تلك المزابنة " الا أنه رخص في العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا ولأنه مبيع يجب فيه مثله تمرا فلم يجز بيعه بمثله رطبا كالتمر الجاف، ولان من له رطب فهو مستغن عن شراء الرطب بأكل ما عنده وبيع العرايا يشترط فيه حاجة المشتري على ما أسلفناه وحديث ابن عمر شك في الرطب والتمر فلا يجوز العمل به مع الشك سيما وهذه الأحاديث تبينه وتنزيل الشك (فصل) ويشترط في بيع العرايا التقابض في المجلس وهذا قول الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا لأنه بيع تمر بتمر فاعتبر فيه شروطه إلا ما استثناه الشرع مما لا يمكن اعتباره في بيع العرايا والقبض في كل واحد منهما على حسبه ففي التمر اكتياله أو نقله وفي الثمرة التخلية، وليس من شروطه حضور التمر عند النخيل بل لو تبايعا بعد معرفة التمر والثمرة ثم مضيا جميعا إلى النخلة فسلمها إلى مشتريها ثم مشيا إلى التمر فتسلمه من مشتريها أو تسلم التمر ثم مضيا إلى النخلة جميعا فسلمها إلى مشتريها ثم مشيا إلى التمر فتسلمه جاز لأن التفرق لا يحصل قبل القبض. إذا ثبت هذا فإن بيع العرية يقع على وجهين (أحدهما) أن يقول بعتك ثمرة هذه النخلة بكذا وكذا من التمر ويصفه (والثاني) أن يكيل من التمر بقدر خرصها ثم يقول بعتك هذا بهذا أو يقول بعتك ثمرة هذه النخلة بهذا التمر ونحو هذا وإن باعه بمعين فقبضه بنقله وأخذه، وان باعه بموصوف فقبضه باكتياله
(١٨٤)