بعد البلوغ يصير مستقلا بنفسه والعادة التفريق بين الأحرار فإن المرأة تزوج ابنتها ويفرق بين الحرة وولدها إذا افترق الأبوان (فصل) وإذا اشترى ممن في ماله حرام وحلال كالسلطان الظالم والمرابي، فإن علم أن المبيع من حلال ماله فهو حلال وان علم أنه حرام فهو حرام ولا يقبل قول المشتري عليه في الحكم لأن الظاهر أن ما في يد الانسان ملكه فإن لم يعلم من أيهما هو كرهناه لاحتمال التحريم فيه ولم يبطل البيع لامكان الحلال قل الحرام أو كثر وهذا هو الشبهة وبقدر قلة الحرام وكثرته تكون كثرة الشبهة وقلتها، قال أحمد: لا يعجبني أن يأكل منه لما روى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وان لكل ملك حمى وحمى الله محارمه " متفق عليه وهذا لفظ رواية مسلم، وفي لفظ رواية البخاري " فمن ترك ما اشتبه عليه كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من المأثم أو شك أن يواقع ما استبان " وروى الحسن ابن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " دع ما يريبك إلى مالا يريبك " وهذا مذهب الشافعي (فصل) والمشكوك فيه على ثلاثة أضرب ما أصله الحظر كالذبيحة في بلد فيها مجوس وعبدة أوثان يذبحون فلا يجوز شراؤها، وإن أمكن أن يكون ذابحها مسلما لأن الأصل التحريم فلا يزول الا بيقين أو ظاهر، وكذلك أن كان فيها أخلاط من المسلمين والمجوس لم يجز شراؤها لذلك. والأصل فيه حديث عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أرسلت كلبك فخالط كلبا لم يسم عليها فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتله " متفق عليه، فأما إن كان ذلك في بلد الاسلام فالظاهر إباحتها لأن المسلمين لا يقرون في بلدهم بيع ما لا يحل بيعه ظاهرا (والثاني) ما أصله الإباحة كالماء يجده متغيرا لا يعلم أبنجاسة تغير أم بغيرها فهو طاهر في الحكم لأن الأصل الطهارة فلا نزول عنها الا بيقين أو ظاهر ولم يوجد واحد منهما. والأصل في ذلك حديث عبد الله بن زيد قال: شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه يجد الشئ قال " لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " متفق عليه.
(الثالث) مالا يعرف له أصل كرجل في ماله حلال وحرام فهذا هو الشبهة التي الأولى تركها على ما ذكرنا وعملا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وجد تمرة ساقطة فقال " لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها " وهو من باب الورع (فصل) وكان أحمد رحمه الله لا يقبل جوائز السلطان وينكر على ولده وعمه قبولها ويشدد في ذلك، وممن كان لا يقبلها سعيد بن المسيب والقاسم وبشر بن سعيد ومحمد بن واسع والثوري وابن المبارك وكان هذا منهم عل سبيل الورع والتوقي لا على أنها حرام، فإن احمد قال: جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة وقال ليس أحد من المسلمين الا وله في هذه الدراهم نصب فكيف أقول إنها سحت، وممن كان يقبل جوائزهم ابن عمر وابن عباس وعائشة وغيرهم من الصحابة مثل الحسن والحسين وعبد الله ابن جعفر، ورخص فيه الحسن البصري ومكحول والزهري والشافعي واحتج بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ومات ودرعه مرهونة عنده وأجاب يهوديا دعاه واكل من طعامه