العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به التصرف لخفائه وتزايده تزايدا خفي التدريج فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة. ولنا قول الله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) ومعناه اختبروهم لتعلموا رشدهم، وإنما يتحقق اختبارهم بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء وليعلم هل يغبن أولا، ولأنه عاقل مميز محجور عليه فصح تصرفه بإذن وليه كالعبد وفارق غير المميز فإنه لا تحصل المصحلة بتصرفه لعدم تمييزه ومعرفته ولا حاجة إلى اختباره لأنه قد علم حاله، وقولهم ان العقل لا يمكن الاطلاع عليه قلنا يعلم ذلك بآثاره وجريان تصرفاته على وفق المصلحة كما يعلم في حق البائع فإن معرفة رشده شرط دفع ماله إليه وصحة تصرفه كذا ههنا، فأما إن تصرف بغير اذن وليه لم يصح تصرفه ويحتمل أن يصح ويقف على إجازة الولي وهو قول أبي حنيفة، ومبنى ذلك على ما إذا تصرف في مال غيره بغير اذنه وقد ذكرناها فيما مضى، وأما غير المميز فلا يصح تصرفه وإن أذن له الولي فيه إلا في الشئ اليسير كما روي عن أبي الدرداء أنه اشترى من صبي عصفورا فأرسله ذكره ابن أبي موسى {مسألة} قال (وما استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده أو يسلمه، فأن جاوز ما استدان قيمته لم يكن على سيده أكثر من قيمته إلا أن يكون مأذونا له في التجارة فيلزم مولاه جميع ما استدان) في هذه المسألة أربعة فصول (أحدهما) في استدانة العبد، يعني أخذه بالدين يقال أدان واستدان وتدين. قال الشاعر: يؤنبني في الدين قومي وإنما * تدينت فيما سوف يكسبهم حمدا والعبيد قسمان: محجور عليه فما لزمه من الدين بغير رضى سيده مثل أن يقترض أو يشتري شيئا في ذمته ففيه روايتان (إحداهما) يتعلق برقبته اختارها الخرقي وأبو بكر لأنه دين لزمه بغير اذن سيده فتعلق برقبته كأرش جنايته (والثانية) يتعلق بذمته يتبعه الغريم به إذا عتق وأيسر وهذا مذهب الشافعي لأنه متصرف في ذمته بغير اذن سيده فتعلق بذمته كعوض الخلع من الأمة وكالحر (القسم الثاني) المأذون له في التصرف أو في الاستدانة فما يلزمه من الدين هل يتعلق بذمة السيد أو برقبته؟ على روايتين، وقال مالك والشافعي إن كان في يده مال قضيت ديونه منه وإن لم يكن في يده شئ تعلق بذمته يتبع به إذا عتق وأيسر لأنه دين ثبت برضى من له الدين أشبه غير المأذون أو فوجب أن لا يتعلق برقبته كما لو استقرض بغير اذن سيده، وقال أبو حنيفة يباع إذا طالب الغرماء ببيعه وهذا معناه أنه تعلق برقبته لأنه دين ثبت برضى من له الدين فيباع فيه كما لو رهنه. ولنا أنه إذا أذن له في التجارة فقد أغرى الناس بمعاملته وأذن فيها فصار ضامنا كما لو قال لهم داينوه أو أذن في استدانة تزيد على قيمته ولا فرق بين الدين الذي لزمه في التجارة المأذون فيها أو فيما لم يؤذن فيه مثل أن أذن له في التجارة في البر فاتجر في غيره فإنه لا ينفك عن التغرير إذ يظن الناس أنه مأذون له في ذلك أيضا (الفصل الثاني) فيما لزمه من الدين من أروش جناياته أو قيم متلفاته، فهذا يتعلق برقبة العبد على
(٢٩٧)