استدراكها باثبات الخيار فأشبه بيع المصراة، وفارق بيع الحاضر للبادي فإنه لا يمكن استدراكه بالخيار إذ ليس الضرر عليه إنما هو على المسلمين، فإذا تقرر هذا فللبائع الخيار إذا علم أنه قد غبن وقال أصحاب الرأي لا خيار له وقد روينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا ولا قول لاحد مع قوله، وظاهر المذهب أنه لا خيار له إلا مع الغبن لأنه إنما ثبت لأجل الخديعة ودفع الضرر ولا ضرر مع عدم الغبن وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحمل اطلاق الحديث في اثبات الخيار على هذا لعلمنا بمعناه ومراده لأنه معنى يتعلق الخيار بمثله ولان النبي صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار إذا أتى السوق فيفهم منه أنه أشار إلى معرفته بالغبن في السوق ولولا ذلك لكان الخيار له من حين البيع، ولم يقدر الخرقي الغبن المثبت للخيار وينبغي أن يتقيد بما يخرج عن العادة لأن ما دون ذلك لا ينضبط، وقال أصحاب مالك إنما نهي عن تلقي الركبان لما يفوت به من الرفق لأهل السوق لئلا يقطع عنهم ماله جلسوا من ابتغاء فضل الله تعالى.
قال ابن القاسم فإن تلقاها متلق فاشتراها عرضت على أهل السوق فيشتركون فيها. وقال الليث بن سعد تباع في السوق، وهذا مخالف لمدلول الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيار للبائع إذا دخل السوق ولم يجعلوا له خيارا وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الخيار له يدل على أن النهي عن تلقي الركبان لحقه لا لحق غيره ولان الجالس في السوق كالمتلقي في أن كل واحد منهما مبتغ لفضل الله تعالى فلا يليق بالحكمة فسخ عقد أحدهما والحاق الضرر به دفعا للضرر عن مثله وليس رعاية حق الجالس أولى من رعاية حق لمتلقي ولا يمكن اشتراك أهل السوق كلهم في سلعته فلا يعرج على مثل هذا والله أعلم (فصل) فإن تلقى الركبان فباعهم شيئا فهو بمنزلة الشراء منهم ولهم الخيار إذا غبنهم غبنا يخرج عن العادة، وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وقالوا في الآخر النهي عن الشراء دون البيع فلا يدخل البيع فيه وهذا مقتضى قول أصحاب مالك لأنهم عللوا ذلك بما ذكرنا عنهم ولا يتحقق ذلك في البيع لهم، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تلقوا الركبان " والبائع داخل في هذا ولان النهي عنه لما فيه من خديعتهم وغبنهم وهذا في البيع كهو في الشراء والحديث قد جاء مطلقا ولو كان مختصا بالشراء لألحق به ما في معناه وهذا في معناه (فصل) فإن خرج لغير قصد التلقي فلقي ركبا فقال القاضي ليس له الابتياع منهم ولا الشراء وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ويحتمل أن لا يحرم عليه ذلك، وهو قول الليث بن سعد والوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه لم يقصد التلقي فلم يتناوله النهي ووجه الأول انه إنما نهى عن التلقي دفعا للخديعة والغبن عنهم وهذا متحقق سواء قصد التلقي أو لم يقصده فوجب المنع منه كما لو قصد (فصل) وإن تلقى الجلب في أعلى الأسواق فلا بأس فإن ابن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تتلقى السلع حتى يهبط بها الأسواق رواه البخاري ولأنه إذا صار في السوق فقد صار في محل البيع والشراء فلم يدخل في النهي كالذي وصل إلى وسطها (فصل) والاحتكار حرام لما روى الأثرم عن أبي أمامة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتكر الطعام وروى أيضا باسناده عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من