وإلا فاخرج عنا، واحتج له بما روى الشافعي وسعيد بن منصور عن داود بن صالح التمار عن القاسم ابن محمد عن عمر انه مر بحاطب في سوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب فسأله عن سعرهما فسعر له مدين بكل درهم فقال له عمر قد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيبا وهم يعتبرون بسعرك فاما أن ترفع في السعر واما ان تدخل زبيبك فتبيعه كيف شئت، ولان في ذلك اضرارا بالناس إذا زاد تبعه أصحاب المتاع وإذا نقص أضر بأصحاب المتاع. ولنا ما روى أبو داود والترمذي وابن ماجة عن أنس قال غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا.
فقال " إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق، انى لأرجو ا أن القى الله تعالى وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وعن أبي سعيد مثله فوجه الدلالة من وجهين (أحدهما) أنه لم يسعر وقد سألوه ذلك ولو جاز لأجابهم إليه (الثاني) أنه علل بكونه مظلمة والظلم حرام ولأنه ماله فلم يجز منعه من بيعه بما تراضي عليه المتبايعان كما اتفق الجماعة عليه قال بعض أصحابنا التسعير سبب الغلاء لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعهم بلدا يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون ومن عنده البضاعة يمتع من بيعها ويكتمها ويطلبها أهل الحاجة إليها فلا يجدونها إلا قليلا فيرفعون في ثمنها ليصلوا إليها فتغلوا الأسعار ويحصل الاضرار بالجانبين جانب الملاك في منعهم من بيع أملا كهم وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضه فيكون حراما، فأما حديث عمر فقد روى فيه سعيد والشافعي أن عمر لما رجع حاسب نفسه ثم اتى حاطبا في داره فقال إن الذي قلت لك ليس بعزيمة مني ولا قضاء وإنما هو شئ أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع كيف شئت وهذا رجوع إلى ما قلنا وما ذكروه من الضرر موجود فيما إذا باع في بيته ولا يمنع منه {مسألة} قال (ونهي عن تلقي الركبان) فإن تلقوا واشتري منهم فهم بالخيار إذا دخلوا السوق وعرفوا أنهم قد غبنوا ان أحبوا أن يفسخوا البيع فسخوا، روي أنهم كانوا يتلقون الأجلاب فيشترون منهم الأمتعة قبل أن تهبط الأسواق فربما غبنوهم غبنا بينا فيضرونهم وربما أضروا بأهل البلد لأن الركبان إذا وصلوا باعوا أمتعتهم والذين يتلقونهم لا يبيعونها سريعا ويتربصون بها السعر فهو في معنى بيع الحاضر للبادي فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وروى طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد " وعن أبي هريرة مثله متفق عليهما، وكرهه أكثر أهل العلم منهم عمر بن عبد العزيز ومالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق، وحكي عن أبي حنيفة أنه لم ير بذلك بأسا وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع فإن خالف ويلقى الركبان واشترى منهم فالبيع صحيح في قول الجميع قاله ابن عبد البر، وحكي عن أحمد رواية أخرى أن البيع فاسد لظاهر النهي، والأول أصح لأن أبا هريرة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تلقوا الجلب فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار رواه مسلم والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح ولان النهي لا معني في البيع بل يعود إلى ضرب من الخديعة يمكن