الشريفة نزلت في الصلح عن دم العبد وقيل نزلت في دم بين نفر يعفو وأحدهم عن القاتل فللباقين ان يتبعوا بالمعروف في نصيبهم لأنه قال سبحانه وتعالى فمن عفى له من أخيه شئ وهو العفو عن بعض الحق ونحن به نقول أوقع الاحتمال في المراد بالآية فلا يصح الاحتجاج بها مع الاحتمال وقوله في دفع الدية صيانة نفس القاتل عن الهلاك وانه واجب قلنا نعم لكن قضيته ان يصير آثما بالامتناع لا ان يملك الولي أخذه من غير رضاه كمن أصابته مخمصة وعند صاحبه طعام يبيعه بمثل قيمته يجب عليه أن يشتريه دفعا للهلاك عن نفسه فان امتنع عن الشراء ليس لصاحب الطعام أن يدفع الطعام إليه ويأخذ الثمن من غير رضاه كذا هذا وقوله المقتول لا ينتفع بالقصاص قلنا ممنوع بل ينتفع به أكثر مما ينتفع بالمال لان فيه احياؤه باكفاء ورثته احياء وهذا لا يحصل بالمال على ما عرف والله تعالى اعلم * (فصل) * واما بيان من يستحق القصاص فنقول ولا قوة الا بالله المقتول لا يخلوا اما أن يكون حرا واما أن يكون عبدا فإن كان حرا لا يخلوا اما أن يكون له وارث واما ان لم يكن فإن كان له وارث فالمستحق للقصاص هو الوارث كالمستحق للمال لأنه حق ثابت والوارث أقرب الناس إلى الميت فيكون له ثم إن كان الوارث واحدا استحقه وإن كان جماعة استحقوه على سبيل الشركة كالمال الموروث عنه وجه قولهما في تمهيد هذا الأصل ان القصاص موجب الجناية وانها وردت على المقتول فكان موجبها حقا له الا انه بالموت عجز عن الاستيفاء بنفسه فتقوم الورثة مقامه بطريق الإرث عنه ويكون مشتركا بينهم ولهذا تجرى فيه سهام الورثة من النصف والثلث والسدس وغير ذلك كما تجرى في المال وهذا آية الشركة ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن المقصود من القصاص هو التشفي وأنه لا يحصل للميت ويحصل للورثة فكان حقا لهم ابتداء والدليل على أنه يثبت لكل واحد منهم على الكمال كان ليس معه غيره لا على سبيل الشركة انه حق لا يتجزأ والشركة فيما لا يتجزأ محال إذ الشركة المعقولة هي أن يكون البعض لهذا والبعض لذلك كشريك الأرض والدار وذلك فما لا يتبعض محال والأصل ان ما لا يتجزأ من الحقوق إذا ثبت لجماعة وقد وجد سبب ثبوته في حق كل واحد منهم يثبت لكل واحد منهم على سبيل الكمال كان ليس معه غيره كولاية الانكاح وولاية الأمان وعلى هذا يخرج ما إذا قتل انسان عمدا وله وليان أحدهما غائب فأقام الحاضر البينة على القتل ثم حضر الغائب انه يعيد البينة عنده وعندهما لا يعيد ولا خلاف في أن القتل إذا كان خطأ لا يعيد وكذلك الدين بأن كان لأبيهما دين على إنسان ووجه البناء على هذا الأصل ان عند أبي حنيفة لما كان القصاص حقا ثابتا للورثة ابتداء كان كل واحد منهما أجنبيا عن صاحبه فيقع اثبات البينة له لا للميت فلا يكون خصما عن الميت في الاثبات فتقع الحاجة إلى إعادة البينة ولما كان حقا موروثا على فرائض الله تبارك وتعالى عندهما والورثة خلفاؤه في استيفاء الحق يقع الاثبات للميت وكل واحد من آحاد الورثة خصم عن الميت في حقوقه كما في الدية والدين فيصح منه اثبات الكل للميت ثم يخلفونه كما في المال ولو قتل انسان وله وليان وأحدهما غائب وأقام القاتل البينة على الحاضر أن الغائب قد عفا فالشاهد خصم لان تحقق العفو من الغائب يوجب بطلان حق الحاضر عن القصاص فكان القاتل مدعيا على الحاضر بطلان حقه فكان خصما له ويقضى عليه ومتى قضى عليه يصير الغائب مقضيا عليه تبعا له والله تعالى أعلم وان لم يكن للقاتل بينة لم يكن له ان يستخلف الحاضر لان الانسان قد ينتصب خصما عن غيره في إقامة البينة اما لا ينتصب خصما عن غيره في اليمين وعلى هذا يخرج القصاص إذا كان بين صغير وكبير ان للكبير ولاية الاستيفاء عنده وعندهما ليس له ذلك وينتظر بلوغ الصغير ووجه البناء ان عند أبي حنيفة رحمه الله لما كان القصاص حقا ثابتا للورثة ابتداء لكل واحد منهم على سبيل الاستقلال لاستقلال سبب ثبوته في حق كل واحد منهم وعدم تجزئه في نفسه ثبت لكل واحد منهم على الكمال كان ليس معه غيره فلا معنى لتوقف الاستيفاء على بلوغ الصغير وعندهما لما كان حقا مشتركا بين الكل فاحد الشريكين لا ينفرد بالتصرف في محل مشترك بدون رضا شريكه اظهارا لعصمة المحل وتحرزا عن الضرر والصحيح أصل أبي حنيفة
(٢٤٢)