محضا فينظر ان أمكن ايجاب القصاص يجب القصاص وان لم يمكن يجب الأرش وأما القتل الخطأ فالخطأ قد يكون في نفس الفعل وقد يكون في ظن الفاعل أما الأول فنحو ان يقصد صيرا فيصيب آدميا وان يقصد رجلا فيصيب غيره فان قصد عضوا من رجل فأصاب عضوا آخر منه فهذا عمد وليس بخطا وأما الثاني فنحو ان يرمى إلى إنسان على ظن أنه حربي أو مرتد فإذا هو مسلم وأما الذي هو في معنى الخطأ فنذكر حكمه وصفته بعد هذا إن شاء الله تعالى فهذه صفات هذه الأنواع وأما بيان أحكامها فوقوع القتل بإحدى هذه الصفات لا يخلو اما ان علم واما ان لم يعلم بان وجد قتيل لا يعلم قاتله فان علم ذلك أما القتل العمد المحض فيتعلق به أحكام منها وجوب القصاص والكلام في القصاص في مواضع في بيان شرائط وجوب القصاص وفى بان كيفية وجوبه وفي بيان من يستحق القصاص وفي بيان من يلي استيفاء القصاص وشرط جواز استيفائه وفي بيان ما يستوفى به القصاص وكيفية الاستيفاء وفي بيان ما يسقط القصاص بعد وجوبه (أما) الأول فلوجوب القصاص شرائط بعضها يرجع إلى القاتل وبعضها يرجع إلى المقتول وبعضها يرجع إلى نفس القتل وبعضها يرجع إلى ولى القتيل أما الذي يرجع إلى القاتل فخمسة أحدها أن يكون عاقلا والثاني أن يكون بالغا فإن كان مجنونا أو صبيا لا يجب لان القصاص عقوبة وهما ليسا من أهل العقوبة لأنها لا تجب الا بالجناية وفعلهما لا يوصف بالجناية ولهذا لم تجب عليهما الحدود وأما ذكورة القاتل وحريته واسلامه فليس من شرائط الوجوب والثالث أن يكون متعمدا في القتل قاصدا إياه فإنه كان مخطئا فلا قصاص عليه لقول النبي العمد قود أي القتل العمد يوجب القود شرط العمد لوجوب القود ولان القصاص عقوبة متناهية فيستدعى جناية متناهية والجناية لا تتناهى الا بالعمد والرابع أن يكون القتل منه عمدا محضا ليس فيه شبهة العدم لأنه عليه الصلاة والسلام شرط العمد مطلقا بقول النبي العمد قود والعمد المطلق هو العمد من كل وجه ولا كمال مع شبهة العدم ولان الشبهة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة وعلى هذا يخرج القتل بضربة أو ضربتين على قصد القتل انه لا يوجب القود لان الضربة أو الضربتين مما لا يقصد به القتل عادة بل التأديب والتهذيب فتمكنت في القصد شبهة العدم وعلى هذا يخرج قول أصحابنا رضي الله عنهم في الموالاة في الضربات انها لا توجب القصاص خلافا للشافعي (وجه) قوله إن الموالاة في الضربات دليل قصد القتل لأنها لا يقصد بها التأديب عادة وأصل القصد موجود فيتمحض القتل عمدا فيوجب القصاص (ولنا) ان شبهة عدم القصد ثابتة لأنه يحتمل حصول القتل بالضربة والضربتين على سبيل الاستقلال من غير الحاجة إلى الضربات الاخر والقتل بضربة أو ضربتين لا يكون عمدا فتبين بذلك أنه لا يوجب القصاص وإذا جاء الاحتمال جاءت الشبهة وزيادة وعلى هذا يخرج قول أبي حنيفة رضي الله عنه في القتل بالمثقل انه لا يوجب القود خلافا لهما والشافعي رحمهم الله (وجه) قولهم إن الضرب بالمثقل مهلك عادة ألا ترى انه لا يستعمل الا في القتل فكان استعماله دليل القصد إلى القتل كاستعمال السيف وقد انضم إليه أصل القصد فكان القتل الحاصل به عمدا ومحضا ولأبي حنيفة رحمه الله طريقان مختلفان على حسب اختلاف الروايتين عنه أحدهما ان القتل بآلة غير معدة للقتل دليل عدم القصد لان تحصيل كل فعل بالآلة المعدة له فحصوله بغير ما أعد له دليل عدم القصد والمثقل وما يجرى مجراه ليس بمعد للقتل عادة فكان القتل به دلالة عدم القصد فيتمكن في العمدية شبهة العدم بخلاف القتل بحديد لا حد له لان الحديد آلة معدة للقتل قال الله تبارك وتعالى وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد والقتل بالعمود معتاد فكان القتل به دليل القصد فيتمحض عمدا وهذا على قياس ظاهر الرواية والثاني وهو قياس رواية الطحاوي رحمه الله هو اعتبار الجرح انه يمكن القصور في هذا القتل لوجود فساد الباطن دون الظاهر وهو نقض التركيب وفى الاستيفاء افساد الباطن والظاهر جميعا فلا تتحقق المماثلة وعلى هذا الخلاف إذا خنق رجلا فقتله أو غرقه بالماء أو ألقاه من جبل أو سطح فمات انه لا قصاص فيه عند أبي حنيفة وعندهما يجب ولو طين على أحد بيتا حتى مات جوعا أو عطشا لا يضمن شيئا عند أبي حنيفة وعندهما يضمن الدية (وجه) قولهما ان الطين الذي عليه تسبيب لا هلاكه لأنه لا بقاء للآدمي الا بالاكل والشرب فالمنع عند استيلاء الجوع والعطش عليه يكون
(٢٣٤)