هذا وقيل موضوع المسألة انه خللها بالنقل من الظل إلى الشمس لا بشئ له قيمة وهو الصحيح وعلى هذا يخرج ما إذا غصب جلد ميتة ودبغه انه ان دبغه بشئ لا قيمة له كالماء والتراب والشمس كان لصاحبه ان يأخذه ولا شئ عليه للغاصب لان الجلد كان ملكه وبعدما صار مالا بالدباغ بقي على حكم ملكه وليس لصاحبه فيه عين مال متقوم قائم إنما فيه مجرد فعل الدباغ ومجرد العمل لا يتقوم الا بالعقد ولم يوجد هذا إذا أخذه من منزله فدبغه فاما إذا كانت الميتة ملقاة على الطريق فأخذ جلدها فدبغه فلا سبيل له على الجلد لان الالقاء في الطريق إباحة للاخذ كالقاء النوى وقشور الرمان على قوارع الطرق ولو هلك الجلد المغصوب بعدما دبغه بشئ لا قيمة له لا ضمان عليه لأن الضمان لو وجب عليه اما ان يجب بالغصب السابق واما ان يجب بالاتلاف لا سبيل إلى الأول لأنه لا قيمة له وقت الغصب ولا سبيل إلى الثاني لأنه لم يوجد الاتلاف من الغاصب وان استهلكه يضمن بالاجماع لأنه كان ملكه قبل الدباغ وبعدما صار مالا بالدباغ بقي على حكم ملكه لا حق للغاصب فيه واتلاف مال مملوك للغير بغير اذنه لا حق له فيه فيوجب الضمان ولو دبغه بشئ متقوم كالقرظ والعفص ونحوهما فلصاحبه أن يأخذه ويغرم له ما زاد الدباغ فيه لأنه ملك صاحبه وللغاصب فيه عين ملك متقوم قائم فلزم مراعاة الجانبين وذلك فيما قلنا وليس له ان يضمنه قيمة الجلد لأنه لو ضمنه قيمته لضمنه يوم الغصب ولم يكن له قيمة يوم الغصب ولو هلك في يده بعدما دبغه لا ضمان عليه لما بينا ولو استهلكه فكذلك عند أبي حنيفة رضي الله عنه وذكر في ظاهر الرواية أن على قولهما يضمن قيمته مدبوغا ويعطيه المالك ما زاد الدباغ فيه وذكر الطحاوي رحمه الله في مختصره ان عندهما يغرم قيمته ان لو كان الجلد ذكيا غير مدبوغ (وجه) قولهما انه أتلف مالا متقوما مملوكا بغير اذن مالكه فيوجب الضمان كما إذا دبغه بشئ لا قيمة له فاستهلكه وإنما قلنا ذلك أما المالية والتقوم فلان الجلد بالدباغ صار مالا متقوما (وأما) الملك فلانه كان ثابتا له قبل الدباغ وبعده بقي على حكم ملكه ولهذا وجب عليه الضمان فيما إذا دبغه بمالا قيمة له كذا هذا ولأبي حنيفة رضي الله عنه ان التقوم حدث بصنع الغاصب فلا يجب الضمان عليه لان الأصل ان الحادث بفعل الانسان يكون حقا له فلا يمكن ايجاب الضمان عليه فالتحق هذا الوصف بالعدم فكان هذا اتلاف مال لا قيمة له من حيث المعنى فلا يجب الضمان ولان تقوم الجلد تابع لما زاد الدباغ فيه لأنه حصل بالدباغ وما زاد الدباغ مضمون فيه فكذا ما هو تابع له يكون ملحقا به والمضمون ببدل لا يضمن بالقيمة عند الاتلاف كالمبيع قبل القبض بخلاف ما إذا دبغه بشئ لا قيمة له لان هناك ما زاد الدباغ فيه غير مضمون فلم يوجد الأصل فلا يلحق به غيره وإن كان الجلد ذكيا فدبغه فان دبغه بمالا قيمة له فلصاحبه ان يأخذه ولا شئ عليه لما ذكرنا انه ملك صاحبه وليس للغاصب فيه عين مال متقوم قائم وليس له ان يضمن الغاصب شيئا لان الجلد قائم لم ينتقص ولو دبغه بماله قيمة فصاحبه بالخيار ان شاء ضنه قيمته غير مدبوغ وان شاء أخذه وأعطاه ما زاد الدباغ فيه لما ذكرنا في الثوب المغصوب إذا صبغه أصفر أو أحمر بصبغ نفسه ولو أن الغاصب جعل هذا الجلد أديما أو زقا أو دفترا أو جرابا أو فروا لم يكن للمغصوب منه على ذلك سبيل لأنه صار شيئا آخر حيث تبدل الاسم والمعنى فكان استهلاكا له معنى ثم إن كان الجلد ذكيا فله قيمته يوم الغصب وإن كان ميتة فلا شئ ولو غصب عصير المسلم فصار خمرا في يده أو خلا ضمن عصيرا مثله لأنه هلك في يده بصيرورته حمرا أو خلا والعصير من ذوات الأمثال فيكون مضمونا بالمثل والله سبحانه وتعالى أعلم * (فصل) * وأما حكم اختلاف الغاصب والمغصوب منه إذا قال الغاصب هلك المغصوب في يدي ولم يصدقه المغصوب منه ولا بينة للغاصب فان القاضي يحبس الغاصب مدة لو كان قائما لاظهره في تلك المدة ثم يقضى عليه بالضمان لما قلنا فيما تقدم ان الحكم الأصلي للغصب هو وجوب رد عين المغصوب والقيمة خلف عنه فما لم يثبت العجز عن الأصل لا يقضى بالقيمة التي هي خلف ولو اختلفا في أصل الغصب أو في جنس المغصوب ونوعه أو قدره أو صفته أو قيمته وقت الغصب فالقول في ذلك كله قول الغاصب لان المغصوب منه يدعى عليه الضمان وهو ينكر فكان القول قوله
(١٦٣)