لا يصلح سببا للملك (ولنا) انهم استولوا على مال مباح غير مملوك ومن استولى على مال مباح غير مملوك يملكه كمن استولى على الحطب والحشيش والصيد دلالة ان هذا الاستيلاء على مال مباح غير مملوك ان ملك المالك يزول بعد الاحراز بدار الحرب فتزول العصمة ضرورة بزوال الملك والدليل على زوال الملك ان الملك هو الاختصاص بالمحل في حق التصرف أو شرع للتمكن من التصرف في المحل وقد زال ذلك بالاحراز بالدار لان المالك لا يمكنه الانتفاع به الا بعد الدخول ولا يمكنه الدخول بنفسه لما فيه من مخاطرة الروح والقاء النفس في التهلكة وغيره قد لا يوافقه ولو وافقه فقد لا يظفر به ولو ظفر به قلما يمكنهم الاسترداد لان الدار دارهم وأهل الدار يذبون عن دارهم فإذا زال معنى الملك أو ما شرع له الملك يزول الملك ضرورة وكذلك لو استولوا على عبيدنا فهو على هذا الاختلاف لان العبد مال قابل للتمليك بالاستيلاء ولهذا يحتمل التملك بسائر أسباب الملك بخلاف الأحرار والمدبرين والمكاتبين وأمهات الأولاد وهذا إذا دخلوا دار الاسلام فاستولوا على عبيد المسلمين وأحرزوهم بدار الحرب فاما إذا أبق عبد أو أمة ولحق بدار الحرب فاخذه الكفار لا يملكونه عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يملكونه وجه قولهما انهم استولوا على مال مباح غير مملوك فيملكونه قياسا على الدابة التي ندت من دار الاسلام إلى دار الحرب فأخذها الكفار وسائر أموال المسلمين التي استولوا عليها والدليل على أنهم استولوا على مال مباح غير مملوك انه كما دخل دار الحرب فقد زال ملك المالك لما ذكرنا في المسألة الأولى وزوال الملك لا يوجب زوال المالية ألا ترى أنه لا يوجب زوال الرق (وجه) قوى أبي حنيفة ان الاستيلاء لم يصادف محله فلا يفيد الملك قياسا على الاستيلاء على الأحرار والمدبرين والمكاتبين وأمهات الأولاد ودلالة ان الاستيلاء لم يصادف محله ان محل الاستيلاء هو المال ولم يوجد لان المالية في هذا المحل إنما ثبتت ضرورة ثبوت الملك للغانمين لان الأصل فيه هو الحرية وكما دخل دار الحرب فقد زال الملك كما ذكرنا في المسألة المتقدمة فتزول المالية الثابتة ضرورة ثبوته فكان ينبغي ان يزول الرق أيضا الا انه بقي شرعا بخلاف القياس فيقتصر على مورد النص بخلاف الدابة لان المالية فيها لا تثبت ضرورة ثبوت الملك لأنها مال والأموال كلها محل لثبوت الملك وبخلاف الآبق المتردد في دار الاسلام لان الاستيلاء حقيقة صادفه وهو مال مملوك فكان ينبغي ان يثبت الملك للحال لوجود سببه الا أنه تأخر إلى وقت الاحراز بالدار لمانع وهو ملك المالك فإذا أحرزوه بدارهم فقال زال المانع لزوال المالك فيعمل الاستيلاء السابق وعمله في اثبات الملك والملك لا يثبت الا في المال فبقيت المالية ضرورة المرء ههنا لاستيلاء حال كونه مالا أصلا وبعدما وجد الاستيلاء لا مالية لزوال الملك فلم يصادف الاستيلاء محله فلا يفيد الملك والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) بيان كيفية الحكم فنقول ملك المسلم يزول عن ماله باستيلاء الكفار عليه ويثبت لهم عندنا على وجه له حق الإعادة اما بعوض أو بغير عوض حتى لو ظهر عليهم المسلمون فاخذوها وأحرزوها بدار الاسلام فان وجده المالك القديم قبل القسمة أخذه بغير شئ سواء كان من ذوات القيم أو من ذوات الأمثال وان وجده بعد القسمة فإن كان من ذوات الأمثال لا يأخذه لأنه لو أخذه لاخذه بمثله فلا يفيد وان لم يكن من ذوات الأمثال يأخذه بقيمته ان شاء لان الاخذ بالقيمة مراعاة الجانبين جانب الملك القديم بايصاله إلى قديم ملكه الخاص المأخوذ منه بغير عوض وجانب الغانمين بصيانة ملكهم الخاص عن الزوال من غير عوض فكان الاخذ بالقيمة نظرا للجانبين ومراعاة الحقين بخلاف ما إذا وجده قبل القسمة انه يأخذه بغير شئ لان الثابت للغانمين قبل القسمة بعد الاحراز ليس الا الحق المتأكد أو الملك العام فكانت الإعادة إلى قديم الملك رعاية للملك الخاص أولى وقد روى أن بعيرا لرجل من المسلمين استولى عليه أهل الحرب ثم ظهر عليهم المسلمون فوجده صاحبه في المغنم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شئ وان وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة وكذلك لو كان الحربي باع المأخوذ من المسلمين ثم ظهر عليه المسلمون فان المالك القديم يأخذه قبل القسمة بغير شئ وبعد القسمة بالقيمة لأنه باعه مستحق الإعادة إلى قديم
(١٢٨)