ما دون النفس فأما إذا لم يكن متعديا فيها فلا يجب القصاص للشبهة وتجب الدية في بعضها ولا تجب في البعض وبيان ذلك في مسائل إذا قطع يد رجل عمدا حتى وجب عليه القصاص فقطع الرجل يده فمات من ذلك ضمن الدية في قول أبي حنيفة رحمه الله وفى قولهما لا شئ عليه ولو قطع الامام يد السارق فمات منه لا ضمان على الامام ولا على بيت المال وكذلك الفصاد والبزاغ والحجام إذا سرت جراحاتهم لا ضمان عليهم بالاجماع (وجه) قولهما ان الموت حصل بفعل مأذون فيه وهو القطع فلا يكون مضمونا كالامام إذا قطع يد السارق فمات منه ولأبي حنيفة رضي الله عنه انه استوفى غير حقه لان حقه في القطع وهو أتى بالقتل لان القتل اسم لفعل يؤثر في فوات الحياة عادة وقد وجد فيضمن كما إذا قطع يد انسان ظلما فسرى إلى النفس وكان القياس أن يجب القصاص الا انه سقط للشبهة فتجب الدية وهكذا نقول في الامام ان فعله وقع قتلا الا انه لا سبيل إلى ايجاب الضمان للضرورة لان إقامة الحد مستحقة عليه والتحرز عن السراية ليس في وسعه فلو أوجبنا الضمان لامتنع الأئمة عن الإقامة خوفا عن لزوم الضمان وفيه تعطيل الحدود والقطع ليس بمستحق على من له القصاص بل هو مخير فيه والأولى هو العفو ولا ضرورة إلى اسقاط الضمان بعد وجود سببه ولو ضرب امرأته للنشوز فماتت منه يضمن لان المأذون فيه هو التأديب لا القتل ولما اتصل به الموت تبين انه وقع قتلا ولو ضرب الأب أو الوصي الصبي للتأديب فمات ضمن في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وفى قولهما لا يضمن وجه قولهما ان الأب والوصي مأذونان في تأديب الصبي وتهذيبه والمتولد من الفعل المأذون فيه لا يكون مضمونا كما لو عزر الامام انسانا فمات (وجه) قول أبي حنيفة رضي الله عنه ان التأديب اسم لفعل يبقى المؤدب حيا بعده فإذا سرى تبين انه قتل وليس بتأديب وهما غير مأذونين في القتل ولو ضربه المعلم أو الأستاذ فمات إن كان الضرب بغير أمر الأب أو الوصي يضمن لأنه متعد في الضرب والمتولد منه يكون مضمونا عليه وإن كان باذنه لا يضمن للضرورة لان المعلم إذا علم أنه يلزمه الضمان بالسراية وليس في وسعه التحرز عنها يمتنع عن التعليم فكان في التضمين سد باب التعليم والناس حاجة إلى ذلك فسقط اعتبار السراية في حقه لهذه الضرورة وهذه الضرورة لم توجد في الأب لان لزوم الضمان لا يمنعه عن التأديب لفرط شفقته على ولده فلا يسقط اعتبار السراية من غير ضرورة ولو قطع يد مرتد فأسلم ثم مات فلا شئ على القاطع وهذا يؤيد مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في اعتبار وقت الفعل والأصل في هذا ان الجناية إذا وردت على ما ليس بمضمون فالسراية لا تكون مضمونة لأن الضمان يجب بالفعل السابق والفعل صادف محلا غير مضمون وكذلك لو قطع يد حربي ثم أسلم ثم مات من القطع انه لا شئ على القاطع لان الجناية وردت على محل غير مضمون فلا تكون مضمونة وهكذا لو قطع يد عبده ثم أعتقه ثم مات لم يضمن السراية لان يد العبد غير مضمونة في حقه ولو قطع يده وهو مسلم ثم ارتد والعياذ بالله ثم مات فعلى القاطع دية اليد لا غير لأنه أبطل عصمة نفسه بالردة فصارت الردة بمنزلة الابراء عن السراية ولو رجع إلى الاسلام ثم مات فعلى القاطع دية النفس في قولهما وعند محمد عليه دية اليد لا غير وجه قوله على نحو ما ذكرنا انه لما ارتد فكأنه أبرأ القاطع عن السراية وجه قولهما ان الجناية يتعلق حكمها بالابتداء أو بالانتهاء وما بينهما لا يتعلق به حكم والمحل ههنا مضمون في الحالين فكانت الجناية مضمونة فيهما فلا تعتبر الردة العارضة فيما بينهما (وأما) قول محمد الردة بمنزلة البراءة فنعم لكن بشرط الموت عليها لان حكم الردة موقوف على الاسلام والموت وقد كانت الجناية مضمونة فوقف حكم السراية أيضا وكذلك لو لحق بدار الحرب ولم يقض القاضي بلحوقه ثم رجع الينا مسلما ثم مات من القطع فهو على هذا الخلاف وإن كان القاضي قضى بلحوقه ثم عاد مسلما ثم مات من القطع فعلى القاطع دية يده لا غير بالاجماع لان لحوقه بدار الحرب يقطع حقوقه بدليل انه يقسم ماله بين ورثته بعد اللحوق ولا يقسم قبله فصار كالابراء عن الجناية ولو قطع يد عبد خطأ فاعتقه مولاه ثم مات منها فلا شئ على القاطع غير أرش اليد وعتقه كبرء اليد لان السراية لو كانت مضمونة على الجاني فاما أن تكون مضمونة عليه للمولى (واما) أن تكون مضمونة عليه للعبد لا سبيل إلى الأول لان المولى ليس بمالك له بعد العتق ولا
(٣٠٥)