الاستثناء الأخير إلى ما يليه فبقي درهمان يستثنيهما من العشرة فيبقى ثمانية والأصل فيه قوله سبحانه وتعالى خبرا عن الملائكة قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين الا آل لوط انا لمنجوهم أجمعين الا امرأته قدرنا انها لمن الغابرين استثنى الله تبارك وتعالى آل لوط من أهل القرية لا من المجرمين لان حقيقة الاستثناء من الجنس وآل لوط لم يكونوا مجرمين ثم استثنى امرأته من آله فبقيت في الغابرين ولو قال لفلان على عشرة دراهم الا خمسة دراهم الا ثلاثة دراهم الا درهما يكون اقرارا بسبعة لأنا جعلنا الدرهم مستثنى مما يليه وهي ثلاثة فبقي درهمان استثناهما من خمسة فبقي ثلاثة استثناها من الجملة الملفوظة فبقي سبعة وكذلك لو قال لفلان على عشرة دراهم الا سبعة دراهم الا خمسة دراهم الا ثلاثة دراهم الا درهما يكون اقرارا بستة لما ذكرنا من الأصل وهذا الأصل لا يخطئ في ايراد الاستثناء على الاستثناء وان كثر هذا إذا كان الأصل متصلا بالجملة المذكورة فاما إذا كان منفصلا عنها بان قال لفلان على عشرة دراهم وسكت ثم قال الا درهما لا يصح الاستثناء عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم الا ما روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما انه يصح وبه أخذ بعض الناس ووجهه ان الاستثناء بيان لما ذكرنا فيصح متصلا ومنفصلا كبيان المجمل والتخصيص للعام عندنا وجه قول العامة ان صيغة الاستثناء إذا انفصلت عن الجملة الملفوظة لا تكون كلام استثناء لغة لان العرب ما تكلمت به أصلا ولو اشتغل به أحد يضحك عليه كمن قال لفلان على كذا ثم قال بعد شهر إن شاء الله تعالى لا يعد ذلك تعليقا بالمشيئة حتى لا يصح كذا وهذا والرواية عن ابن عباس لا تكاد تصح بخلاف بيان المجمل والعام لأنهم يتكلمون بذلك مستعمل عندهم متصلا ومنفصلا على ما عرف في أصول الفقه والله سبحانه وتعالى أعلم وعلى هذا قال أبو حنيفة فيمن قال أنت حر وحر إن شاء الله تعالى انه لا يصح الاستثناء لان تكرير صيغة التحرير لغو فكان في معنى السكتة ولو قال لفلان على كر حنطة وكر شعير الا كر حنطة وقفيز شعير لا يصح استثناء كر الحنطة بالاتفاق لانصراف كر الحنطة إلى جنسه فيكون استثناء للكل من الكل فلم يصح وهل يصح استثناء القفيز من الشعير قال أبو حنيفة رحمه الله لا يصح لأنه لما لم يصح استثناء كر الحنطة فقد لغا فكأنه سكت ثم استثنى قفيز شعير فلم يصح استثناؤه أصلا والله عز وجل أعلم (وأما) الاستدراك فهو في الأصل لا يخلو من أحد وجهين اما أن يكون في القدر واما أن يكون في الصفة فإن كان في القدر فهو على ضربين اما أن يكون في الجنس واما أن يكون في خلاف الجنس فنحو أن يقول لفلان على ألف درهم لا بل ألفان فعليه ألفان استحسانا والقياس أن يكون عليه ثلاثة آلاف (وجه) القياس ان قوله لفلان على ألف درهم اقرار بألف وقوله لا رجوع وقوله بل استدراك والرجوع عن الاقرار في حقوق العباد غير صحيح والاستدراك صحيح فأشبه الاستدراك في خلاف الجنس وكما إذا قال لامرأته أنت طالق واحد لا بل ثنتين أنه يقع ثلاث تطليقات وجه الاستحسان ان الاقرار اخبار والمخبر عنه مما يجرى الغلط في قدره أو وصفه عادة فتقع الحاجة إلى استدراك الغلط فيه فيقبل إذا لم يكن متهما فيه وهو غير متهم في الزيادة على المقر به فتقبل منه بخلاف الاستدراك في خلاف الجنس لان الغلط في خلاف الجنس لا يقع عادة فلا تقع الحاجة إلى استدراكه وبخلاف مسألة الطلاق أن قوله أنت طالق انشاء الطلاق لغة وشرعا والانشاء لا يحتمل الغلط حتى لو كان اخبارا بان قال لها كنت طلقتك أمس واحدة لا بل اثنتين لا يقع عليها الاطلاقان والله تعالى أعلم وكذلك إذا قال لفلان على كر حنطة لا بل كران ولو قال لفلان على ألف درهم لا بل ألف درهم فعليه الفان لأنه متهم في النقصان فلا يصح استدراكه مع ما أن مثل هذا الغلط نادر فلا حاجة إلى استداركه لالتحاقه بالعدم (وأما) في خلاف الجنس كما لو قال لفلان على ألف درهم لا بل مائة دينار أو لفلان على كر حنطة لا بل كر شعير لزمه الكل لما بينا أن مثل هذا الغلط لا يقع الا نادرا والنادر ملحق بالعدم هذا إذا وقع الاستدراك في قدر المقر به (فاما) إذا وقع في صفة المقر به بان قال لفلان على ألف درهم بيض لا بل سود ينظر فيه إلى أرفع الصفتين وعليه ذلك لأنه غير متهم في زيادة الصفة متهم في النقصان فكان مستدركا في الأول راجعا في الثاني فيصح استدراكه ولا يصح رجوعه كما في الألف
(٢١٢)